فصل: بيع الأعيان غير الرّبويّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


ربا

التّعريف

1 - الرّبا في اللّغة‏:‏ اسم مقصور على الأشهر، وهو من ربا يربو ربواً، ورُبُوَّاً ورِباءً‏.‏ وألف الرّبا بدل عن واوٍ، وينسب إليه فيقال‏:‏ ربويّ، ويثنّى بالواو على الأصل فيقال‏:‏ ربوان، وقد يقال‏:‏ ربيان - بالياء - للإمالة السّائغة فيه من أجل الكسرة‏.‏

والأصل في معناه الزّيادة، يقال‏:‏ ربا الشّيء إذا زاد، ومن ذلك قول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ‏}‏‏.‏

وأربى الرّجل‏:‏ عامل بالرّبا أو دخل فيه، ومنه الحديث‏:‏ » من أجبى فقد أربى «

والإجباء‏:‏ بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه‏.‏

ويقال‏:‏ الرّبا والرّما والرّماء، وروي عن عمر رضي الله عنه قوله‏:‏ إنّي أخاف عليكم الرّما، يعني الرّبا‏.‏

والرّبية - بالضّمّ والتّخفيف - اسم من الرّبا، والرّبية‏:‏ الرّباء، وفي الحديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صلح أهل نجران‏:‏ » أن ليس عليهم ربّيّة ولا دم «‏.‏

قال أبو عبيدٍ‏:‏ هكذا روي بتشديد الباء والياء، وقال الفرّاء‏:‏ أراد بها الرّبا الّذي كان عليهم في الجاهليّة، والدّماء الّتي كانوا يطلبون بها، والمعنى أنّه أسقط عنهم كلّ رباً كان عليهم إلاّ رءوس الأموال فإنّهم يردّونها‏.‏

والرّبا في اصطلاح الفقهاء‏:‏ عرّفه الحنفيّة بأنّه‏:‏ فضل خالٍ عن عوضٍ بمعيارٍ شرعيٍّ مشروطٍ لأحد المتعاقدين في المعاوضة‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ عقد على عوضٍ مخصوصٍ غير معلوم التّماثل في معيار الشّرع حالة العقد أو مع تأخيرٍ في البدلين أو أحدهما‏.‏

وعرّفه الحنابلة بأنّه‏:‏ تفاضل في أشياء، ونسأ في أشياء، مختصّ بأشياء ورد الشّرع بتحريمها - أي تحريم الرّبا فيها - نصّاً في البعض، وقياساً في الباقي منها‏.‏

وعرّف المالكيّة كلّ نوعٍ من أنواع الرّبا على حدةٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - البيع‏:‏

2 - البيع لغةً‏:‏ مصدر باع، والأصل فيه أنّه مبادلة مالٍ بمالٍ، وأطلق على العقد مجازاً لأنّه سبب التّمليك والتّملّك‏.‏

والبيع من الأضداد مثل الشّراء، ويطلق على كلّ واحدٍ من المتعاقدين لفظ بائعٍ، ولكن اللّفظ إذا أطلق فالمتبادر إلى الذّهن باذل السّلعة، ويطلق البيع على المبيع فيقال‏:‏ بيع جيّد‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ عرّفه القليوبيّ بأنّه‏:‏ عقد معاوضةٍ ماليّةٍ تفيد ملك عينٍ أو منفعةٍ على التّأبيد لا على وجه القربة‏.‏

وللفقهاء في تعريف البيع أقوال أخرى سبقت في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

والبيع في الجملة حلال، والرّبا حرام‏.‏

ب - العرايا‏:‏

3 - العريّة لغةً‏:‏ النّخلة يعريها صاحبها غيره ليأكل ثمرتها فيعروها أي يأتيها، أو هي النّخلة الّتي أكل ما عليها، والجمع عرايا، ويقال‏:‏ استعرى النّاس أي‏:‏ أكلوا الرّطب‏.‏ وعرّف الشّافعيّة بيع العرايا بأنّه‏:‏ بيع الرّطب على النّخل بتمرٍ في الأرض، أو العنب في الشّجر بزبيبٍ، فيما دون خمسة أوسقٍ بتقدير الجفاف بمثله‏.‏

ويذهب آخرون في تعريف بيع العرايا وحكمه مذاهب يرجع في تفصيلها إلى مصطلح‏:‏ ‏(‏تعرية، وبيع العرايا‏)‏ من الموسوعة 9 /91‏.‏

وبيع العرايا من المزابنة، وفيه ما في المزابنة من الرّبا أو شبهته، لكنّه أجيز بالنّصّ، ومنه ما روي عن سهل بن أبي حثمة قال‏:‏ » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيع التّمر بالتّمر، ورخّص في العريّة أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً «، وفي لفظٍ‏:‏ » عن بيع الثّمر بالتّمر « وقال‏:‏ ذلك الرّبا تلك المزابنة، إلاّ أنّه رخّص في بيع العريّة‏:‏ النّخلة والنّخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - الرّبا محرّم بالكتاب والسّنّة والإجماع، وهو من الكبائر، ومن السّبع الموبقات، ولم يؤذن اللّه تعالى في كتابه عاصياً بالحرب سوى آكل الرّبا، ومن استحلّه فقد كفر - لإنكاره معلوماً من الدّين بالضّرورة - فيستتاب، فإن تاب وإلاّ قتل، أمّا من تعامل بالرّبا من غير أن يكون مستحلاً له فهو فاسق‏.‏

قال الماورديّ وغيره‏:‏ إنّ الرّبا لم يحلّ في شريعةٍ قطّ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ‏}‏ يعني في الكتب السّابقة‏.‏

ودليل التّحريم من الكتاب قول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا‏}‏‏.‏

وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ‏}‏‏.‏

5- قال السّرخسيّ‏:‏ ذكر اللّه تعالى لآكل الرّبا خمساً من العقوبات‏:‏

إحداها‏:‏ التّخبّط‏.‏‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ‏}‏‏.‏

الثّانية‏:‏ المحق‏.‏‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا‏}‏ والمراد الهلاك والاستئصال، وقيل‏:‏ ذهاب البركة والاستمتاع حتّى لا ينتفع به، ولا ولده بعده‏.‏

الثّالثة‏:‏ الحرب‏.‏‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه‏}‏‏.‏

الرّابعة‏:‏ الكفر‏.‏‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ وقال سبحانه بعد ذكر الرّبا‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ‏}‏ أي‏:‏ كفّارٍ باستحلال الرّبا، أثيمٍ فاجرٍ بأكل الرّبا‏.‏

الخامسة‏:‏ الخلود في النّار‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏‏.‏ وكذلك – قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏، قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏أَضْعَافاً مُّضَاعَفَة‏}‏ ليس لتقييد النّهي به، بل لمراعاة ما كانوا عليه من العادة توبيخاً لهم بذلك، إذ كان الرّجل يربي إلى أجلٍ، فإذا حلّ الأجل قال للمدين‏:‏ زدني في المال حتّى أزيدك في الأجل، فيفعل،وهكذا عند محلّ كلّ أجلٍ، فيستغرق بالشّيء الطّفيف ماله بالكلّيّة، فنهوا عن ذلك ونزلت الآية‏.‏

6- ودليل التّحريم من السّنّة أحاديث كثيرة منها‏:‏

ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وما هنّ ‏؟‏ قال‏:‏ الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات «‏.‏

وما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ » لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال‏:‏ هم سواء «‏.‏

وأجمعت الأمّة على أصل تحريم الرّبا‏.‏ وإن اختلفوا في تفصيل مسائله وتبيين أحكامه وتفسير شرائطه‏.‏

7- هذا، ويجب على من يقرض أو يقترض أو يبيع أو يشتري أن يبدأ بتعلّم أحكام هذه المعاملات قبل أن يباشرها، حتّى تكون صحيحةً وبعيدةً عن الحرام والشّبهات، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، وتركه إثم وخطيئة، وهو إن لم يتعلّم هذه الأحكام قد يقع في الرّبا دون أن يقصد الإرباء، بل قد يخوض في الرّبا وهو يجهل أنّه تردّى في الحرام وسقط في النّار، وجهله لا يعفيه من الإثم ولا ينجّيه من النّار، لأنّ الجهل والقصد ليسا من شروط ترتّب الجزاء على الرّبا، فالرّبا بمجرّد فعله - من المكلّف - موجب للعذاب العظيم الّذي توعّد اللّه جلّ جلاله به المرابين، يقول القرطبيّ‏:‏ لو لم يكن الرّبا إلاّ على من قصده ما حرّم إلاّ على الفقهاء‏.‏

وقد أثر عن السّلف أنّهم كانوا يحذّرون من الاتّجار قبل تعلّم ما يصون المعاملات التّجاريّة من التّخبّط في الرّبا، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه‏:‏ لا يتّجر في سوقنا إلاّ من فقه، وإلاّ أكل الرّبا، وقول عليٍّ رضي الله عنه‏:‏ من اتّجر قبل أن يتفقّه ارتطم في الرّبا ثمّ ارتطم ثمّ ارتطم، أي‏:‏ وقع وارتبك ونشب‏.‏

وقد حرص الشّارع على سدّ الذّرائع المفضية إلى الرّبا، لأنّ ما أفضى إلى الحرام حرام، وكلّ ذريعةٍ إلى الحرام هي حرام، روى أبو داود بسنده عن جابرٍ رضي الله عنه قال‏:‏ لمّا نزلت‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ‏}‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من لم يذر المخابرة فليؤذن بحربٍ من اللّه ورسوله «‏.‏

قال ابن كثيرٍ‏:‏ وإنّما حرّمت المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي اشتراء الرّطب في رءوس النّخل بالتّمر على وجه الأرض، والمحاقلة وهي اشتراء الحبّ في سنبله في الحقل بالحبّ على وجه الأرض، إنّما حرّمت هذه الأشياء وما شاكلها حسماً لمادّة الرّبا، لأنّه لا يعلم التّساوي بين الشّيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء‏:‏ الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ومن هذا حرّموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الرّبا والوسائل الموصّلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب اللّه لكلٍّ منهم من العلم‏.‏

8- وباب الرّبا من أشكل الأبواب على كثيرٍ من أهل العلم، وقد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ثلاث وددت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فيهنّ عهداً ننتهي إليه‏:‏ الجدّ والكلالة وأبواب من الرّبا، يعني - كما قال ابن كثيرٍ - بذلك بعض المسائل الّتي فيها شائبة الرّبا، وعن قتادة عن سعيد بن المسيّب رحمة اللّه تعالى عليهما أنّ عمر رضي الله عنه قال‏:‏ من آخر ما نزل آية الرّبا، وإنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسّرها لنا، فدعوا الرّبا والرّيبة، وعنه رضي الله عنه قال‏:‏ ثلاث لأن يكون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيّنهنّ أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها‏:‏ الكلالة، والرّبا، والخلافة‏.‏

حكمة تحريم الرّبا

9 - أورد المفسّرون لتحريم الرّبا حكماً تشريعيّةً‏:‏

منها‏:‏ أنّ الرّبا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوضٍ، لأنّ من يبيع الدّرهم بالدّرهمين نقداً أو نسيئةً تحصل له زيادة درهمٍ من غير عوضٍ، ومال المسلم متعلّق حاجته، وله حرمة عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » حرمة مال المسلم كحرمة دمه « وإبقاء المال في يده مدّةً مديدةً وتمكينه من أن يتّجر فيه وينتفع به أمر موهوم، فقد يحصل وقد لا يحصل، وأخذ الدّرهم الزّائد متيقّن، وتفويت المتيقّن لأجل الموهوم لا يخلو من ضررٍ‏.‏

ومنها‏:‏ أنّ الرّبا يمنع النّاس من الاشتغال بالمكاسب، لأنّ صاحب الدّرهم إذا تمكّن بواسطة عقد الرّبا من تحصيل الدّرهم الزّائد نقداً كان أو نسيئةً خفّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمّل مشقّة الكسب والتّجارة والصّناعات الشّاقّة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق الّتي لا تنتظم إلاّ بالتّجارات والحرف والصّناعات والعمارات‏.‏

ومنها‏:‏ أنّ الرّبا يفضي إلى انقطاع المعروف بين النّاس من القرض، لأنّ الرّبا إذا حرّم طابت النّفوس بقرض الدّرهم واسترجاع مثله، ولو حلّ الرّبا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدّرهم بدرهمين، فيفضي إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان‏.‏

ومن ذلك ما قال ابن القيّم‏:‏‏.‏‏.‏ فربا النّسيئة، وهو الّذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة، مثل أن يؤخّر دينه ويزيده في المال، وكلّما أخّره زاد في المال، حتّى تصير المائة عنده آلافاً مؤلّفةً، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلاّ معدم محتاج، فإذا رأى أنّ المستحقّ يؤخّر مطالبته ويصبر عليه بزيادةٍ يبذلها له تكلّف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقتٍ إلى وقتٍ، فيشتدّ ضرره،وتعظم مصيبته،ويعلوه الدّين حتّى يستغرق جميع موجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفعٍ يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفعٍ يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضّرر، فمن رحمة أرحم الرّاحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرّم الرّبا‏.‏‏.‏‏.‏

10 - وأمّا الأصناف السّتّة الّتي حرّم فيها الرّبا بما رواه أبو سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء «‏.‏

11 - أمّا هذه الأصناف فقد أجمل ابن القيّم حكمة تحريم الرّبا فيها حيث قال‏:‏ وسرّ المسألة أنّهم منعوا من التّجارة في الأثمان - أي الذّهب والفضّة - بجنسها لأنّ ذلك يفسد عليهم مقصود الأثمان، ومنعوا التّجارة في الأقوات - أي البرّ والشّعير والتّمر والملح - بجنسها لأنّ ذلك يفسد عليهم مقصود الأقوات‏.‏

وفصّل ابن القيّم فقال‏:‏ الصّحيح بل الصّواب أنّ العلّة في تحريم الرّبا في الذّهب والفضّة هي الثّمنيّة، فإنّ الدّراهم والدّنانير أثمان المبيعات، والثّمن هو المعيار الّذي يعرف به تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، إذ لو كان الثّمن يرتفع وينخفض كالسّلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، وحاجة النّاس إلى ثمنٍ يعتبرون به المبيعات حاجة ضروريّة عامّة، وذلك لا يعرف إلاّ بسعرٍ تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلاّ بثمنٍ تقوّم به الأشياء ويستمرّ على حالةٍ واحدةٍ، ولا يقوّم هو بغيره، إذ يصير سلعةً يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات النّاس ويقع الخلف ويشتدّ الضّرر‏.‏‏.‏‏.‏ فالأثمان لا تقصد لأعيانها، بل يقصد التّوصّل بها إلى السّلع، فإذا صارت في أنفسها سلعاً تقصد لأعيانها فسد أمر النّاس‏.‏ وأضاف‏:‏ وأمّا الأصناف الأربعة المطعومة فحاجة النّاس إليها أعظم من حاجتهم إلى غيرها، لأنّها أقوات العالم، فمن رعاية مصالح العباد أن منعوا من بيع بعضها ببعضٍ إلى أجلٍ، سواء اتّحد الجنس أو اختلف، ومنعوا من بيع بعضها ببعضٍ حالاً متفاضلاً وإن اختلفت صفاتها، وجوّز لهم التّفاضل مع اختلاف أجناسها‏.‏ فقد قال ابن القيّم‏:‏ وسرّ ذلك - واللّه أعلم - أنّه لو جوّز بيع بعضها ببعضٍ نساءً لم يفعل ذلك أحد إلاّ إذا ربح، وحينئذٍ تسمح نفسه ببيعها حالّةً لطمعه في الرّبح، فيعزّ الطّعام على المحتاج ويشتدّ ضرره،‏.‏‏.‏ فكان من رحمة الشّارع بهم وحكمته أن منعهم من ربا النّساء فيها كما منعهم من ربا النّساء في الأثمان، إذ لو جوّز لهم النّساء فيها لدخلها إمّا أن تقضي وإمّا أن تربي فيصير الصّاع الواحد لو أخذ قفزاناً كثيرةً، ففطموا عن النّساء، ثمّ فطموا عن بيعها متفاضلاً يدًا بيدٍ، إذ تجرّهم حلاوة الرّبح وظفر الكسب إلى التّجارة فيها نساءً وهو عين المفسدة، وهذا بخلاف الجنسين المتباينين فإنّ حقائقهما وصفاتهما ومقاصدهما مختلفة، ففي إلزامهم المساواة في بيعها إضرار بهم، ولا يفعلونه، وفي تجويز النّساء بينها ذريعة إلى إمّا أن تقضي وإمّا أن تربي فكان من تمام رعاية مصالحهم أن قصرهم على بيعها يداً بيدٍ كيف شاءوا، فحصلت لهم المبادلة، واندفعت عنهم مفسدة إمّا أن تقضي وإمّا أن تربي وهذا بخلاف ما إذا بيعت بالدّراهم أو غيرها من الموزونات نساءً فإنّ الحاجة داعية إلى ذلك، فلو منعوا منه لأضرّ بهم، ولامتنع السّلم الّذي هو من مصالحهم فيما هم محتاجون إليه، والشّريعة لا تأتي بهذا، وليس بهم حاجة في بيع هذه الأصناف بعضها ببعضٍ نساءً، وهو ذريعة قريبة إلى مفسدة الرّبا، فأبيح لهم في جميع ذلك ما تدعو إليه حاجتهم وليس بذريعةٍ إلى مفسدةٍ راجحةٍ، ومنعوا ممّا لا تدعو الحاجة إليه ويتذرّع به غالباً إلى مفسدةٍ راجحةٍ‏.‏

أقسام الرّبا

ربا البيع - ربا الفضل

12 - وهو الّذي يكون في الأعيان الرّبويّة، والّذي عني الفقهاء بتعريفه وتفصيل أحكامه في البيوع، وقد اختلفوا في عدد أنواعه‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه نوعان‏:‏

1 - ربا الفضل‏.‏‏.‏ وعرّفه الحنفيّة بأنّه فضل خالٍ عن عوضٍ بمعيارٍ شرعيٍّ مشروطٍ لأحد المتعاقدين في المعاوضة‏.‏

2 - ربا النّسيئة‏.‏‏.‏‏.‏ وهو‏:‏ فضل الحلول على الأجل، وفضل العين على الدّين في المكيلين أو الموزونين عند اختلاف الجنس، أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتّحاد الجنس‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ ربا البيع ثلاثة أنواعٍ‏:‏

1 - ربا الفضل‏.‏‏.‏ وهو البيع مع زيادة أحد العوضين عن الآخر في متّحد الجنس‏.‏

2 - ربا اليد‏.‏‏.‏ وهو البيع مع تأخير قبض العوضين أو قبض أحدهما من غير ذكر أجلٍ‏.‏

3 - ربا النّساء‏.‏‏.‏ وهو البيع بشرط أجلٍ ولو قصيراً في أحد العوضين‏.‏

وزاد المتولّي من الشّافعيّة ربا القرض المشروط فيه جرّ نفعٍ، قال الزّركشيّ‏:‏ ويمكن ردّه إلى ربا الفضل، وقال الرّمليّ‏:‏ إنّه من ربا الفضل، وعلّل الشّبراملّسي ذلك بقوله‏:‏ إنّما جعل ربا القرض من ربا الفضل مع أنّه ليس من هذا الباب - يعني البيع - لأنّه لمّا شرط نفعاً للمقرض كان بمنزلة أنّه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه فهو منه حكماً‏.‏

ربا النّسيئة

13 - وهو الزّيادة في الدّين نظير الأجل أو الزّيادة فيه وسمّي هذا النّوع من الرّبا ربا النّسيئة من أنسأته الدّين‏:‏ أخّرته - لأنّ الزّيادة فيه مقابل الأجل أيّاً كان سبب الدّين بيعاً كان أو قرضاً‏.‏

وسمّي ربا القرآن، لأنّه حرّم بالقرآن الكريم في قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً‏}‏‏.‏ ثمّ أكّدت السّنّة النّبويّة تحريمه في خطبة الوداع وفي أحاديث أخرى‏.‏ ثمّ انعقد إجماع المسلمين على تحريمه‏.‏

وسمّي ربا الجاهليّة، لأنّ تعامل أهل الجاهليّة بالرّبا لم يكن إلاّ به كما قال الجصّاص‏.‏ والرّبا الّذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنّما كان قرض الدّراهم والدّنانير إلى أجلٍ بزيادةٍ على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به‏.‏

وسمّي أيضاً الرّبا الجليّ، قال ابن القيّم‏:‏ الجليّ‏:‏ ربا النّسيئة، وهو الّذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة، مثل أن يؤخّر دينه ويزيده في المال، وكلّما أخّره زاده في المال حتّى تصير المائة عنده آلافاً مؤلّفةً‏.‏

14 - وربا الفضل يكون بالتّفاضل في الجنس الواحد من أموال الرّبا إذا بيع بعضه ببعضٍ، كبيع درهمٍ بدرهمين نقداً، أو بيع صاع قمحٍ بصاعين من القمح، ونحو ذلك‏.‏

ويسمّى ربا الفضل لفضل أحد العوضين على الآخر، وإطلاق التّفاضل على الفضل من باب المجاز، فإنّ الفضل في أحد الجانبين دون الآخر‏.‏

ويسمّى ربا النّقد في مقابلة ربا النّسيئة، ويسمّى الرّبا الخفيّ،قال ابن القيّم‏:‏الرّبا نوعان‏:‏ جليّ وخفيّ، فالجليّ حرّم، لما فيه من الضّرر العظيم، والخفيّ حرّم، لأنّه ذريعة إلى الجليّ، فتحريم الأوّل قصداً، وتحريم الثّاني لأنّه وسيلة، فأمّا الجليّ فربا النّسيئة وهو الّذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة‏.‏ وأمّا ربا الفضل فتحريمه من باب سدّ الذّرائع كما صرّح به في حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا تبيعوا الدّرهم بالدّرهمين فإنّي أخاف عليكم الرّماء « والرّماء هو الرّبا، فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النّسيئة، وذلك أنّهم إذا باعوا درهماً بدرهمين - ولا يفعل هذا إلاّ للتّفاوت الّذي بين النّوعين - إمّا في الجودة، وإمّا في السّكّة، وإمّا في الثّقل والخفّة،وغير ذلك - تدرّجوا بالرّبح المعجّل فيها إلى الرّبح المؤخّر وهو عين ربا النّسيئة، وهذا ذريعة قريبة جدّاً، فمن حكمة الشّارع أن سدّ عليهم هذه الذّريعة، وهي تسدّ عليهم باب المفسدة‏.‏

أثر الرّبا في العقود

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العقد الّذي يخالطه الرّبا مفسوخ لا يجوز بحالٍ، وأنّ من أربى ينقض عقده ويردّ فعله وإن كان جاهلاً، لأنّه فعل ما حرّمه الشّارع ونهى عنه، والنّهي يقتضي التّحريم والفساد، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ «‏.‏

ولحديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ » جاء بلال -رضي الله عنه -بتمرٍ برنيّ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أين هذا ‏؟‏ فقال بلال‏:‏ من تمرٍ كان عندنا رديءٍ، فبعت منه صاعين بصاعٍ لمطعم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك‏:‏ أوّه عين الرّبا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التّمر فبعه ببيعٍ آخر ثمّ اشتر به « فقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أوّه عين الرّبا « أي هو الرّبا المحرّم نفسه لا ما يشبهه، وقوله‏:‏ » فهو ردّ « يدلّ على وجوب فسخ صفقة الرّبا وأنّها لا تصحّ بوجهٍ‏.‏

وروى مسلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » ربا الجاهليّة موضوع وأوّل رباً أضع ربانا‏:‏ ربا العبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه «‏.‏ وقال عنه النّوويّ في شرح مسلمٍ قوله‏:‏ المراد بالوضع الرّدّ والإبطال‏.‏

وفصّل ابن رشدٍ فقال‏:‏ من باع بيعاً أربى فيه غير مستحلٍّ للرّبا فعليه العقوبة الموجعة إن لم يعذر بجهلٍ، ويفسخ البيع ما كان قائماً، والحجّة في ذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر السّعدين أن يبيعا آنيةً من المغانم من ذهبٍ أو فضّةٍ،فباعا كلّ ثلاثةٍ بأربعةٍ عيناً، أو كلّ أربعةٍ بثلاثةٍ عيناً، فقال لهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أربيتما فردّا «‏.‏ فإن فات البيع فليس، له إلاّ رأس ماله قبض الرّبا أو لم يقبضه، فإن كان قبضه ردّه إلى صاحبه، وكذلك من أربى ثمّ تاب فليس له إلاّ رأس ماله، وما قبض من الرّبا وجب عليه أن يردّه إلى من قبضه منه، وأمّا من أسلم وله ربا، فإن كان قبضه فهو له، لقول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ‏}‏ ولقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من أسلم على شيءٍ فهو له «‏.‏

وأمّا إن كان لم يقبض الرّبا فلا يحلّ له أن يأخذه وهو موضوع عن الّذي هو عليه، ولا خلاف في هذا أعلمه‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ اشتراط الرّبا في البيع مفسد للبيع، لكنّهم يفرّقون في المعاملات بين الفاسد والباطل، فيملك المبيع في البيع الفاسد بالقبض، ولا يملك في البيع الباطل بالقبض، يقول ابن عابدين‏:‏ الفساد والبطلان في العبادات سيّان، أمّا في المعاملات فإن لم يترتّب أثر المعاملة عليها فهو البطلان، وإن ترتّب فإن كان مطلوب التّفاسخ شرعاً فهو الفساد، وإلاّ فهو الصّحّة‏.‏

والبيع الرّبويّ عند الحنفيّة من البيوع الفاسدة، وحكم البيع الفاسد عندهم أنّ العوض يملك بالقبض ويجب ردّه لو قائماً، وردّ مثله أو قيمته لو مستهلكاً، وعليه فإنّه يجب ردّ الزّيادة الرّبويّة لو قائمةً، لا ردّ ضمانها، قال ابن عابدين‏:‏ وحاصله أنّ فيه حقّين، حقّ العبد وهو ردّ عينه لو قائماً ومثله لو هالكاً، وحقّ الشّرع وهو ردّ عينه لنقض العقد المنهيّ عنه شرعاً، وبعد الاستهلاك لا يتأتّى ردّ عينه فتعيّن ردّ المثل وهو محض حقّ العبد، ثمّ إن ردّ عينه لو قائماً فيما لو وقع العقد على الزّائد، أمّا لو باع عشرة دراهم بعشرة دراهم وزاده دانقاً هبةً منه فإنّه لا يفسد العقد‏.‏

الخلاف في ربا الفضل

16 - أطبقت الأمّة على تحريم التّفاضل في بيع الرّبويّات إذا اجتمع التّفاضل مع النّساء، وأمّا إذا انفرد نقداً فإنّه كان فيه خلاف قديم‏:‏ صحّ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ وعبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنهم إباحته، وكذلك عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما مع رجوعه عنه، وروي عن عبد اللّه بن الزّبير وأسامة بن زيدٍ رضي الله عنهم، وفيه عن معاوية رضي الله عنه شيء محتمل، وزيد بن أرقم والبراء بن عازبٍ رضي الله عنهما من الصّحابة، وأمّا التّابعون‏:‏ فصحّ ذلك أيضاً عن عطاء بن أبي رباحٍ وفقهاء المكّيّين، وروي عن سعيدٍ وعروة‏.‏

انقراض الخلاف في ربا الفضل ودعوى الإجماع على تحريمه

17 - نقل النّوويّ عن ابن المنذر أنّه قال‏:‏ أجمع علماء الأمصار‏:‏ مالك بن أنسٍ ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثّوريّ ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعيّ ومن قال بقوله من أهل الشّام، واللّيث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشّافعيّ وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبو ثورٍ وأبو حنيفة وأبو يوسف أنّه لا يجوز بيع ذهبٍ بذهبٍ، ولا فضّةٍ بفضّةٍ، ولا برٍّ ببرٍّ، ولا شعيرٍ بشعيرٍ، ولا تمرٍ بتمرٍ، ولا ملحٍ بملحٍ، متفاضلاً يداً بيدٍ، ولا نسيئةً، وأنّ من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ، قال‏:‏ وقد روينا هذا القول عن جماعةٍ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجماعةٍ يكثر عددهم من التّابعين‏.‏ وناقش السّبكيّ دعوى الإجماع من عدّة وجوهٍ، وانتهى إلى القول‏:‏ فعلى هذا امتنع دعوى الإجماع في تحريم ربا الفضل بوجهٍ من الوجوه، لكنّا بحمد اللّه تعالى مستغنون عن الإجماع في ذلك بالنّصوص الصّحيحة المتضافرة، وإنّما يحتاج إلى الإجماع في مسألةٍ خفيّةٍ سندها قياس أو استنباط دقيق‏.‏

الأحاديث الدّالّة على تحريم ربا الفضل

18 - روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تحريم ربا الفضل‏:‏

منها‏:‏ ما روى عثمان بن عفّان أنّ رسول اللّه قال‏:‏ » لا تبيعوا الدّينار بالدّينارين ولا الدّرهم بالدّرهمين «‏.‏

وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ »الدّينار بالدّينار والدّرهم بالدّرهم، لا فضل بينهما، فمن كانت له حاجة بورقٍ، فليصرفها بذهبٍ، ومن كانت له حاجة بذهبٍ فليصرفها بورقٍ، والصّرف هاء وهاء «‏.‏

وما روى عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ »الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يدًا بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ «‏.‏

وأمّا الحديث الّذي رواه أسامة بن زيدٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » إنّما الرّبا في النّسيئة « فقد قال ابن القيّم‏:‏ مثل هذا يراد به حصر الكمال وأنّ الرّبا الكامل إنّما هو في النّسيئة، كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ وكقول ابن مسعودٍ‏:‏ إنّما العالم الّذي يخشى اللّه، ومثله عند ابن حجرٍ، قال‏:‏ قيل المعنى في قوله‏:‏ لا ربا إلاّ في النّسيئة‏:‏ الرّبا الأغلظ الشّديد التّحريم المتوعّد عليه بالعقاب الشّديد، كما تقول العرب‏:‏ لا عالم في البلد إلاّ زيد مع أنّ فيها علماء غيره، وإنّما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل‏.‏

وقال الشّوكانيّ‏:‏ يمكن الجمع بأنّ مفهوم حديث أسامة عامّ، لأنّه يدلّ على نفي ربا الفضل عن كلّ شيءٍ سواء أكان من الأجناس الرّبويّة أم لا، فهو أعمّ منها مطلقاً، فيخصّص هذا المفهوم بمنطوقها‏.‏

الأجناس الّتي نصّ على تحريم الرّبا فيها

19 - الأجناس الّتي نصّ على تحريم الرّبا فيها ستّة وهي‏:‏ الذّهب والفضّة والبرّ والشّعير والتّمر والملح، وقد ورد النّصّ عليها في أحاديث كثيرةٍ، من أتمّها حديث عبادة بن الصّامت السّابق‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ أجمع العلماء على القول بمقتضى هذه السّنّة، وعليها جماعة فقهاء المسلمين، إلاّ في البرّ والشّعير فإنّ مالكاً جعلهما صنفاً واحداً، فلا يجوز منهما اثنان بواحدٍ، وهو قول اللّيث والأوزاعيّ ومعظم علماء المدينة والشّام، وأضاف مالك إليهما السّلت‏.‏

واتّفق أهل العلم على أنّ ربا الفضل لا يجري إلاّ في الجنس الواحد، ولا يجري في الجنسين ولو تقاربا لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » بيعوا الذّهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيدٍ «‏.‏

وخالف سعيد بن جبيرٍ فقال‏:‏ كلّ شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، كالحنطة بالشّعير، والتّمر بالزّبيب، لأنّهما يتقارب نفعهما فجريا مجرى نوعي الجنس الواحد‏.‏

الاختلاف في غير هذه الأجناس

20 - اختلف الفقهاء فيما سوى الأجناس السّتّة المنصوص عليها في حديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه، وفي غيره من الأحاديث، هل يحرم الرّبا فيها كما يحرم في هذه الأجناس السّتّة أم لا يحرم ‏؟‏‏.‏

فذهب عامّة أهل العلم إلى أنّ تحريم الرّبا لا يقتصر على الأجناس السّتّة، بل يتعدّى إلى ما في معناها، وهو ما وجدت فيه العلّة الّتي هي سبب التّحريم في الأجناس المذكورة في الحديث، لأنّ ثبوت الرّبا فيها بعلّةٍ، فيثبت في كلّ ما وجدت فيه العلّة الّتي هي سبب التّحريم، لأنّ القياس دليل شرعيّ، فتستخرج علّة الحكم ويثبت في كلّ موضعٍ وجدت علّته فيه‏.‏

واستدلّوا بأنّ مالك بن أنسٍ وإسحاق بن إبراهيم الحنظليّ رويا حديث تحريم الرّبا في الأعيان السّتّة وفي آخره » وكذلك كلّ ما يكال ويوزن « فهو تنصيص على تعدية الحكم إلى سائر الأموال، وفي حديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا تبيعوا الدّرهم بالدّرهمين ولا الصّاع بالصّاعين فإنّي أخشى عليكم الرّما « أي الرّبا، ولم يرد به عين الصّاع وإنّما أراد به ما يدخل تحت الصّاع، كما يقال خذ هذا الصّاع أي ما فيه، ووهبت لفلانٍ صاعاً أي من الطّعام‏.‏

وفي حديث أبي هريرة وأبي سعيدٍ الخدريّ »أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عديٍّ الأنصاريّ فاستعمله على خيبر، فقدم بتمرٍ جنيبٍ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أكلّ تمر خيبر هكذا ‏؟‏ قال‏:‏ لا، واللّه، يا رسول اللّه، إنّا لنشتري الصّاع بالصّاعين من الجمع‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تفعلوا،ولكن مثلاً بمثلٍ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان‏}‏‏.‏ يعني ما يوزن بالميزان، فتبيّن بهذه الآثار قيام الدّليل على تعدية الحكم من الأشياء السّتّة إلى غيرها‏.‏ وكذلك فإنّه ليس في الحديث أنّ مال الرّبا ستّة أشياء، ولكن ذكر حكم الرّبا في الأشياء السّتّة‏.‏

وفائدة تخصيص هذه الأجناس السّتّة بالذّكر في الحديث أنّ عامّة المعاملات يومئذٍ كانت بها على ما جاء في الحديث‏:‏ » كنّا في المدينة نبيع الأوساق ونبتاعها « والمراد به ما يدخل تحت الوسق ممّا تكثر الحاجة إليه وهي الأجناس المذكورة‏.‏

وحكي عن طاوسٍ ومسروقٍ والشّعبيّ وقتادة وعثمان البتّيّ ونفّاة القياس أنّهم قصروا التّحريم على الأجناس المنصوص على تحريم الرّبا فيها، وقالوا إنّ التّحريم لا يجري في غيرها بل إنّه على أصل الإباحة، وممّا احتجّوا به‏:‏

أنّ الشّارع خصّ من المكيلات والمطعومات والأقوات أربعة أشياء، فلو كان الحكم ثابتاً في كلّ المكيلات أو في كلّ المطعومات لقال‏:‏ لا تبيعوا المكيل بالمكيل متفاضلاً أو‏:‏ لا تبيعوا المطعوم بالمطعوم متفاضلاً، فإنّ هذا الكلام يكون أشدّ اختصاراً وأكثر فائدةً، فلمّا لم يقل ذلك وعدّ الأربعة علمنا أنّ حكم الحرمة مقصور عليها‏.‏ وأنّ التّعدية من محلّ النّصّ إلى غير محلّ النّصّ لا تمكن إلاّ بواسطة تعليل الحكم في مورد النّصّ وهو عند نفاة القياس غير جائزٍ‏.‏

علّة تحريم الرّبا في الأجناس المنصوص عليها

21 - اتّفق عامّة الفقهاء على أنّ تحريم الرّبا في الأجناس المنصوص عليها إنّما هو لعلّةٍ، وأنّ الحكم بالتّحريم يتعدّى إلى ما تثبت فيه هذه العلّة، وأنّ علّة الذّهب والفضّة واحدة، وعلّة الأجناس الأربعة الأخرى واحدة‏.‏‏.‏ ثمّ اختلفوا في تلك العلّة‏.‏

22 - فقال الحنفيّة‏:‏ العلّة‏:‏الجنس والقدر،وقد عرف الجنس بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الذّهب بالذّهب، والحنطة بالحنطة «‏.‏

وعرف القدر بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » مثلاً بمثلٍ « ويعني بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لقوله صلى الله عليه وسلم » وكذلك كلّ ما يكال ويوزن «، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا تبيعوا الصّاع بالصّاعين «، وهذا عامّ في كلّ مكيلٍ سواء أكان مطعوماً أم لم يكن، ولأنّ الحكم متعلّق بالكيل والوزن إمّا إجماعاً ‏"‏أي عند الحنفيّة ‏"‏ أو لأنّ التّساوي حقيقةً لا يعرف إلاّ بهما، وجعل العلّة ما هو متعلّق الحكم إجماعاً أو هو معرّف للتّساوي حقيقةً أولى من المصير إلى ما اختلفوا فيه ولا يعرف التّساوي حقيقةً فيه، ولأنّ التّساوي والمماثلة شرط لقوله صلى الله عليه وسلم » مثلاً بمثلٍ «، وفي بعض الرّوايات » سواءً بسواءٍ « أو صيانةً لأموال النّاس، والمماثلة بالصّورة والمعنى أتمّ، وذلك فيما ذكر، لأنّ الكيل والوزن يوجب المماثلة صورةً، والجنس يوجبها معنىً، فكان أولى‏.‏

23 - وقال المالكيّة‏:‏ علّة الرّبا في النّقود مختلف فيها، فقيل‏:‏ غلبة الثّمنيّة، وقيل‏:‏ مطلق الثّمنيّة، وإنّما كانت علّة الرّبا في النّقود ما ذكر، لأنّه لو لم يمنع الرّبا فيها لأدّى ذلك إلى قلّتها فيتضرّر النّاس‏.‏

وعلّة ربا الفضل في الطّعام الاقتيات والادّخار، وهو المشهور وقول الأكثر والمعوّل عليه، والاقتيات معناه قيام بنية الآدميّ به - أي حفظها وصيانتها - بحيث لا تفسد بالاقتصار عليه، وفي معنى الاقتيات إصلاح القوت كملحٍ وتوابل، ومعنى الادّخار عدم فساده بالتّأخير إلى الأجل المبتغى منه عادةً، ولا حدّ له على ظاهر المذهب بل هو في كلّ شيءٍ بحسبه، فالمرجع فيه للعرف، ولا بدّ من أن يكون الادّخار معتاداً، ولا عبرة بالادّخار لا على وجه العادة‏.‏

وإنّما كان الاقتيات والادّخار علّة حرمة الرّبا في الطّعام لخزن النّاس له حرصاً على طلب وفور الرّبح فيه لشدّة الحاجة إليه‏.‏

وعلّة ربا النّساء مجرّد الطّعم على وجه التّداوي، فتدخل الفاكهة والخضر كبطّيخٍ وقثّاءٍ ونحو ذلك‏.‏

24 - وذهب الشّافعيّة إلى أنّ العلّة في تحريم الرّبا في الذّهب والفضّة كونهما جنس الأثمان غالباً - كما نقل الماورديّ عن الشّافعيّ - ويعبّر عنها بجنسيّة الأثمان غالباً أو بجوهريّة الأثمان غالباً، وهذه علّة قاصرة على الذّهب والفضّة لا تتعدّاهما إذ لا توجد في غيرهما، فتحريم الرّبا فيهما ليس لمعنى يتعدّاهما إلى غيرهما من الأموال، لأنّه لو كان لمعنىً يتعدّاهما إلى غيرهما لم يجز إسلامهما فيما سواهما من الأموال، لأنّ كلّ شيئين جمعتهما علّة واحدة في الرّبا لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر كالذّهب والفضّة والحنطة والشّعير، فلمّا جاز إسلام الذّهب والفضّة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الأموال دلّ على أنّ العلّة فيهما لمعنىً لا يتعدّاهما وهو أنّهما من جنس الأثمان‏.‏

وذكر لفظ ‏"‏ غالباً ‏"‏ في بيان علّة تحريم الرّبا في الذّهب والفضّة للاحتراز من الفلوس إذا راجت رواج النّقود، فإنّها وإن كانت ثمناً في بعض البلاد فليست من جنس الأثمان غالباً، ويدخل فيما يجري فيه الرّبا الأواني والتّبر ونحوهما من الذّهب والفضّة‏.‏

قال الماورديّ‏:‏ ومن أصحابنا من يقول‏:‏ العلّة كونهما قيم المتلفات، ومن أصحابنا من جمعهما، قال‏:‏ وكلّه قريب‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ جزم الشّيرازيّ في التّنبيه أنّ العلّة كونهما قيم الأشياء، وأنكره القاضي أبو الطّيّب وغيره على من قاله، لأنّ الأواني والتّبر والحليّ يجري فيها الرّبا، وليست ممّا يقوم بها، ولنا وجه ضعيف غريب أنّ تحريم الرّبا فيهما بعينهما لا لعلّةٍ، حكاه المتولّي وغيره‏.‏

وما سوى الذّهب والفضّة من الموزونات كالحديد والنّحاس والرّصاص والقطن والكتّان والصّوف والغزل وغيرها‏.‏‏.‏ لا ربا فيها، فيجوز بيع بعضها ببعضٍ متفاضلاً ومؤجّلاً‏.‏ والعلّة في تحريم الرّبا في الأجناس الأربعة وهي البرّ والشّعير والتّمر والملح أنّها مطعومة، وهذا قول الشّافعيّ في الجديد، والدّليل ما روى معمر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الطّعام بالطّعام مثلاً بمثلٍ « فقد علّق الحكم بالطّعام الّذي هو بمعنى المطعوم، والمعلّق بالمشتقّ معلّل بما منه الاشتقاق كالقطع والجلد المعلّقين بالسّارق والزّاني‏.‏ ولأنّ الحبّ ما دام مطعوماً يحرم فيه الرّبا، فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوماً لم يحرم فيه الرّبا، فإذا انعقد الحبّ وصار مطعوماً حرّم فيه الرّبا، فدلّ على أنّ العلّة فيه كونه مطعوماً، فعلى هذا يحرم الرّبا في كلّ ما يطعم‏.‏

وقول الشّافعيّ في القديم أنّ العلّة في تحريم الرّبا في الأجناس الأربعة أنّها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة، وعليه فلا يحرم الرّبا إلاّ في مطعومٍ يكال أو يوزن‏.‏

والجديد هو الأظهر، وتفريع الشّافعيّ والأصحاب عليه، قالوا‏:‏ المراد بالمطعوم ما قصد لطعم الآدميّ غالباً، بأن يكون أظهر مقاصده الطّعم وإن لم يؤكل إلاّ نادراً، والطّعم يكون اقتياتاً أو تفكّهاً أو تداوياً، والثّلاثة تؤخذ من حديث الأجناس السّتّة، فإنّه نصّ فيه على البرّ والشّعير والمقصود منهما التّقوّت، فألحق بهما ما في معناهما كالأرز والذّرة، ونصّ فيه على التّمر والمقصود منه التّفكّه والتّأدّم، فألحق به ما في معناه كالتّين والزّبيب، ونصّ فيه على الملح والمقصود منه الإصلاح، فألحق به ما في معناه كالمصطكى والسّقمونيا والزّنجبيل، ولا فرق بين ما يصلح الغذاء وما يصلح البدن، فالأغذية لحفظ الصّحّة والأدوية لردّ الصّحّة‏.‏

25 - وروي عن أحمد بن حنبلٍ في علّة تحريم الرّبا في الأجناس السّتّة ثلاث رواياتٍ‏:‏ أشهرها أنّ علّة الرّبا في الذّهب والفضّة كونهما موزوني جنسٍ، وفي الأجناس الباقية كونها مكيلات جنسٍ، فعلى هذه الرّواية يجري الرّبا في كلّ مكيلٍ أو موزونٍ بجنسه ولو كان يسيراً لا يتأتّى كيله كتمرةٍ بتمرةٍ أو تمرةٍ بتمرتين لعدم العلم بتساويهما في الكيل، ولا يتأتّى وزنه كما دون الأرزة من الذّهب أو الفضّة ونحوهما، مطعوماً كان المكيل أو الموزون أو غير مطعومٍ، ولا يجري الرّبا في مطعومٍ لا يكال ولا يوزن كالمعدودات من التّفّاح والرّمّان والبطّيخ والجوز والبيض ونحوها، فيجوز بيع بيضةٍ وخيارةٍ وبطّيخةٍ بمثلها، نصّ عليه أحمد لأنّه ليس مكيلاً ولا موزوناً، لكن نقل مهنّا عن أحمد أنّه كره بيع بيضةٍ ببيضتين وقال‏:‏ لا يصلح إلاّ وزناً بوزنٍ، لأنّه مطعوم، ولا يجري الرّبا فيما لا يوزن عرفاً لصناعته، ولو كان أصله الوزن غير المعمول من النّقدين كالمعمول من الصّفر والحديد والرّصاص ونحوه، كالخواتم من غير النّقدين‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ أنّ العلّة في الأثمان الثّمنيّة، وفيما عداها كونه مطعوم جنسٍ فيختصّ بالمطعومات ويخرج منه ما عداها، لما روى معمر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الطّعام بالطّعام مثلاً بمثلٍ « ولأنّ الطّعم وصف شرفٍ إذ به قوام الأبدان، والثّمنيّة وصف شرفٍ إذ بها قوام الأموال، فيقتضي التّعليل بهما، ولأنّه لو كانت العلّة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات لأنّ أحد وصفي علّة الرّبا الفضل يكفي في تحريم النّساء‏.‏

والرّواية الثّالثة‏:‏ العلّة فيما عدا الذّهب والفضّة كونه مطعوم جنسٍ مكيلاً أو موزوناً فلا يجري الرّبا في مطعومٍ لا يكال ولا يوزن، كالتّفّاح والرّمّان والخوخ والبطّيخ ونحوها، ولا فيما ليس بمطعومٍ كالزّعفران والحديد والرّصاص، لأنّ لكلّ واحدٍ من هذه الأصناف أثراً، والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه فلا يجوز حذفه، ولأنّ الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة وإنّما أثره في تحقيقها في العلّة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقّق شرطه‏.‏

والطّعم بمجرّده لا تتحقّق المماثلة به لعدم المعيار الشّرعيّ فيه، وإنّما تجب المماثلة في المعيار الشّرعيّ وهو الكيل والوزن، ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلاً وفي الموزون وزناً، فوجب أن يكون الطّعم معتبراً في المكيل والموزون دون غيرهما، والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها وتقييد كلّ واحدٍ منها بالآخر، فنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الطّعام بالطّعام إلاّ مثلاً بمثلٍ يتقيّد بما فيه معيار شرعيّ وهو الكيل والوزن، ونهيه عن بيع الصّاع بالصّاعين يتقيّد بالمطعوم المنهيّ عن التّفاضل فيه‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتاً كالأرز والذّرة والدّخن، أو أدماً كالقطنيّات واللّحم واللّبن، أو تفكّهاً كالثّمار، أو تداوياً كالإهليلج والسّقمونيا، فإنّ الكلّ في باب الرّبا واحد‏.‏

من أحكام الرّبا

26 - إذا تحقّقت علّة تحريم الرّبا في مالٍ من الأموال، فإن بيع بجنسه حرّم فيه التّفاضل والنّساء والتّفرّق قبل القبض، لما روى عبادة بن الصّامت رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ «‏.‏

وهذا قدر متّفق عليه بين الفقهاء، وفيما عداه تفصيل وخلاف بحسب اختلافهم في العلّة‏.‏ وفيما يلي مجمل أحكام الرّبا كلّ مذهبٍ على حدةٍ‏.‏

27 - قال الحنفيّة‏:‏ إنّ علّة تحريم الرّبا القدر مع الجنس، فإن وجدا حرّم الفضل والنّساء، فلا يجوز بيع قفيز برٍّ بقفيزين منه، ولا بيع قفيز برٍّ بقفيزٍ منه وأحدهما نساء، وإن عدما - أي القدر والجنس - حلّ البيع، وإن وجد أحدهما أي القدر وحده كالحنطة بالشّعير، أو الجنس وحده كالثّوب الهرويّ بهرويٍّ مثله حلّ الفضل وحرّم النّساء‏.‏

قالوا‏:‏ أمّا إذا وجد المعيار وعدم الجنس كالحنطة بالشّعير والذّهب بالفضّة، فلقوله عليه السلام » إذا اختلف الجنسان، ويروى النّوعان، فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يداً بيدٍ « وأمّا إذا وجدت الجنسيّة وعدم المعيار كالهرويّ بالهرويّ، فإنّ المعجّل خير من المؤجّل وله فضل عليه، فيكون الفضل من حيث التّعجيل رباً، لأنّه فضل يمكن الاحتراز عنه وهو مشروط في العقد فيحرم‏.‏

ويحرم بيع كيليٍّ أو وزنيٍّ بجنسه متفاضلاً ونسيئةً ولو غير مطعومٍ، كجصٍّ كيليٍّ أو حديدٍ وزنيٍّ، ويحلّ بيع ذلك متماثلاً لا متفاضلاً وبلا معيارٍ شرعيٍّ، فإنّ الشّرع لم يقدّر المعيار بالذّرة وبما دون نصف الصّاع كحفنةٍ بحفنتين أو ثلاثةٍ ما لم يبلغ نصف الصّاع، وكذرةٍ من ذهبٍ أو فضّةٍ وتفّاحةٍ بتفّاحتين بأعيانهما، فإن كانا غير معيّنين أو أحدهما لم يجز‏.‏

وخالف محمّد فرأى تحريم الرّبا في الكثير والقليل كتمرةٍ بتمرتين‏.‏

وجيّد مال الرّبا ورديئه عند المقابلة سواء، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » جيّدها ورديئها سواء «، ولأنّ في اعتبار الجودة والرّداءة سدّ باب البياعات فيلغو، واستثنوا مسائل لا يجوز فيها إهدار اعتبار الجودة، وهي‏:‏ مال اليتيم والوقف والمريض فلا يباع الجيّد منه بالرّديء‏.‏ ويجوز بيع الرّديء بالجيّد والقُلب والمرهون إذا انكسر عند المرتهن ونقصت قيمته فإنّه يضمنها بخلاف جنسه‏.‏

وما ورد النّصّ بكيله فكيليّ أبداً، وما ورد النّصّ بوزنه فوزنيّ أبداً اتّباعاً للنّصّ، وعن أبي يوسف أنّه يعتبر فيه العرف مطلقاً وإن كان خلاف النّصّ وأشار ابن عابدين إلى تقويته، ورجّحه الكمال بن الهمام، لأنّ النّصّ على ذلك الكيل في الشّيء أو الوزن فيه ما كان في ذلك الوقت إلاّ لأنّ العادة إذ ذاك كذلك، وقد تبدّلت فتبدّل الحكم، حتّى لو كان العرف في زمنه صلى الله عليه وسلم بالعكس لورد النّصّ موافقاً له، ولو تغيّر العرف في حياته لنصّ على تغيّر الحكم‏.‏

ويجوز بيع لحمٍ بحيوانٍ ولو من جنسه وبيع قطنٍ بغزل قطنٍ في الأصحّ، وبيع رطبٍ برطبٍ متماثلاً كيلاً، وبيع لحومٍ مختلفةٍ بعضها ببعضٍ ولبن بقرٍ بلبن غنمٍ متفاضلاً يداً بيدٍ، ويجوز بيع اللّبن بالجبن، ولا يجوز بيع البرّ بدقيقٍ أو سويقٍ، ولا بيع الزّيت بالزّيتون‏.‏ ولا ربا بين متفاوضين وشريكي عنانٍ إذا تبايعا من مال الشّركة‏.‏

28 - وقال المالكيّة‏:‏ لا يجوز بيع فضّةٍ بفضّةٍ ولا ذهبٍ بذهبٍ إلاّ مثلاً بمثلٍ يداً بيدٍ، ولا يجوز بيع الفضّة بالذّهب متفاضلاً إلاّ يدًا بيدٍ، والطّعام من الحبوب والقطنيّة وشبهها ممّا يدّخر من قوتٍ أو إدامٍ لا يجوز الجنس منه بجنسه إلاّ مثلاً بمثلٍ يداً بيدٍ، ولا يجوز فيه تأخير، ولا يجوز طعام بطعامٍ إلى أجلٍ، كان من جنسه أو من خلافه، كان ممّا يدّخر أو لا يدّخر‏.‏

ولا بأس بالفواكه والبقول وما لا يدّخر متفاضلاً وإن كان من جنسٍ واحدٍ يداً بيدٍ، ولا يجوز التّفاضل في الجنس الواحد فيما يدّخر من الفواكه اليابسة وسائر الإدام والطّعام والشّراب إلاّ الماء وحده، وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثّمار والطّعام فلا بأس بالتّفاضل فيه يداً بيدٍ، ولا يجوز التّفاضل في الجنس الواحد منه إلاّ في الخضر والفواكه، والقمح والشّعير والسّلت كجنسٍ واحدٍ فيما يحلّ منه ويحرم، والزّبيب كلّه جنس والتّمر كلّه صنف، والقطنيّة أجناس في البيوع، واختلف قول مالكٍ فيها ولم يختلف قوله في الزّكاة أنّها جنس واحد، ولحوم ذوات الأربع من الأنعام كالإبل والبقر والغنم والوحش كالغزال وبقر الوحش، ولحوم الطّير كلّه جنس واحد، ولحوم دوابّ الماء كلّها جنس، وما تولّد من لحوم الجنس الواحد من شحمٍ فهو كلحمه، وألبان ذلك الجنس من ذوات الأربع الإنسيّ منه والوحشيّ كلّها جنس واحد، وكذلك جبنه وسمنه، كلّ واحدٍ منها جنس فكلّ واحدٍ من الثّلاثة يجوز بيع بعضه ببعضٍ متماثلاً لا متفاضلاً‏.‏

29 - وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا بيع الطّعام بالطّعام إن كانا جنساً اشترط الحلول والمماثلة والتّقابض قبل التّفرّق، أو جنسين كحنطةٍ وشعيرٍ جاز التّفاضل واشترط الحلول والتّقابض، ولا بدّ من القبض الحقيقيّ، ودقيق الأصول المختلفة الجنس وخلّها ودهنها أجناس، لأنّها فروع أصولٍ مختلفةٍ فأعطيت حكم أصولها، واللّحوم والألبان كذلك في الأظهر‏.‏

والنّقد بالنّقد كالطّعام بالطّعام‏.‏

والمماثلة تعتبر في المكيل كيلاً وفي الموزون وزناً، والمعتبر غالب عادة أهل الحجاز في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وما جهل يراعى فيه بلد البيع، وقيل‏:‏ الكيل، وقيل‏:‏ الوزن، وقيل‏:‏ يتخيّر، وقيل‏:‏ إن كان له أصل اعتبر‏.‏

وتعتبر المماثلة وقت الجفاف، لأنّه صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرّطب بالتّمر فقال‏:‏ »أينقص الرّطب إذا يبس فقالوا‏:‏ نعم، فنهى عن ذلك « أشار صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ » أينقص « إلى أنّ المماثلة إنّما تعتبر عند الجفاف وإلاّ فالنّقصان أوضح من أن يسأل عنه، ويعتبر أيضاً إبقاؤه على هيئةٍ يتأتّى ادّخاره عليها كالتّمر بنواه، فلا يباع رطب برطبٍ ولا بتمرٍ، ولا عنب بعنبٍ ولا بزبيبٍ، للجهل بالمماثلة وقت الجفاف للحديث السّابق، وما لا جفاف له كالقثّاء والعنب الّذي لا يتزبّب لا يباع بعضه ببعضٍ أصلاً قياساً على الرّطب، وفي قولٍ مخرّجٍ تكفي مماثلته رطباً، لأنّ معظم منافعه في رطوبته فكان كاللّبن فيباع وزناً وإن أمكن كيله‏.‏

وكلّ شيئين اتّفقا في الاسم الخاصّ من أصل الخلقة كالتّمر البرنيّ والتّمر المعقليّ فهما جنس واحد، وكلّ شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب فهما جنسان، والدّليل عليه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر ستّة أشياء وحرّم فيها التّفاضل إذا بيع كلّ منها بما وافقه في الاسم وأباح فيه التّفاضل إذا بيع بما خالفه في الاسم، فدلّ على أنّ كلّ شيئين اتّفقا في الاسم فهما جنس وإذا اختلفا في الاسم فهما جنسان‏.‏

30 - وقال الحنابلة‏:‏ كلّ ما كيل أو وزن من جميع الأشياء فلا يجوز التّفاضل فيه إذا كان جنساً واحداً، وما كان من جنسين جاز التّفاضل فيه يداً بيدٍ، ولا يجوز نسيئةً، والدّليل حديث عبادة السّابق، وما كان ممّا لا يكال ولا يوزن فجائز التّفاضل فيه يداً بيدٍ ونسيئةً سواء بيع بجنسه أو بغيره - في أصحّ الرّوايات - ولا يباع شيء من الرّطب بيابسٍ من جنسه إلاّ العرايا، فأمّا بيع الرّطب بالرّطب والعنب بالعنب ونحوهما من الرّطب بمثله فيجوز مع التّماثل، وأمّا ما لا ييبس كالقثّاء والخيار فعلى قولين، ولا يباع ما أصله الكيل بشيءٍ من جنسه وزناً ولا ما أصله الوزن كيلاً، والمرجع في معرفة المكيل والموزون إلى العرف بالحجاز في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكّة «‏.‏ وما لا عرف فيه بالحجاز يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً بالحجاز‏.‏

والثّاني‏:‏ يعتبر عرفه في موضعه‏.‏

والتّمور كلّها جنس وإن اختلفت أنواعها، والبرّ والشّعير جنسان‏.‏ هذا هو المذهب، وعن أحمد أنّهما جنس واحد، ولا يجوز بيع الحنطة بشيءٍ من فروعها‏:‏ السّويق، والدّقيق في الصّحيح، وعن أحمد رواية أنّه يجوز بيعها بالدّقيق، فأمّا بيع بعض فروعها ببعضٍ فيجوز بيع كلّ واحدٍ من الدّقيق والسّويق بنوعه متساوياً، فأمّا بيع الدّقيق بالسّويق فالصّحيح أنّه لا يجوز‏.‏

والأصحّ أنّ اللّحم أجناس باختلاف أصوله، وفي اللّبن روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ هو جنس واحد‏.‏ والثّانية‏:‏ هو أجناس باختلاف أصوله كاللّحم، ولا يجوز بيع اللّحم بحيوانٍ من جنسه، وأمّا بيع اللّحم بحيوانٍ من غير جنسه فظاهر كلام أحمد أنّه لا يجوز، واختار القاضي جوازه، وبيع اللّحم بحيوانٍ غير مأكول اللّحم جائز في ظاهر قولهم، ولا يجوز بيع شيءٍ من مال الرّبا بأصله الّذي فيه منه كالسّمسم بالشّيرج والزّيتون بالزّيت وسائر الأدهان بأصولها والعصير بأصله‏.‏

وبيع شيءٍ من المعتصرات بجنسه يجوز متماثلاً، ويجوز بيعه بغير جنسه متفاضلاً وكيف شاء، لأنّهما جنسان، ويعتبر التّساوي فيهما بالكيل، وسواء أكانا مطبوخين أم نيئين، أمّا بيع النّيء بالمطبوخ من جنسٍ واحدٍ فلا يجوز‏.‏

من مسائل الرّبا

31 - مسائل الرّبا كثيرة ومتعدّدة، والعلّة هي الأصل الّذي ينبني عليه عامّة مسائل الرّبا‏.‏ أو كما قال القرطبيّ‏:‏ اعلم رحمك اللّه أنّ مسائل هذا الباب كثيرة وفروعه منتشرة، والّذي يربط لك ذلك أن تنظر إلى ما اعتبره العلماء في علّة الرّبا‏.‏

وفيما يلي أمثلة ومختارات من هذه المسائل‏:‏

المحاقلة

32 - بيع الحنطة في سنبلها بحنطةٍ صافيةٍ من التّبن، وهو غير جائزٍ شرعاً لما فيه من جهل التّساوي بين العوضين‏.‏

وينظر التّفصيل في ‏(‏بيع المحاقلة، ومحاقلة‏)‏‏.‏

المزابنة

33 - بيع الرّطب على النّخل بتمرٍ، وهو غير جائزٍ شرعاً، لما فيه من عدم العلم بالمماثلة‏.‏

وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏بيع المزابنة‏)‏‏.‏

العينة

34 - بيع السّلعة بثمنٍ، إلى أجلٍ، ثمّ شراؤها من المشتري بأقلّ من ذلك الثّمن، وهي حرام عند جمهور الفقهاء، لأنّه من الرّبا أو ذريعة إلى الرّبا‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع العينة‏)‏‏.‏

بيع الأعيان غير الرّبويّة

35 - الأعيان الرّبويّة نوعان‏:‏

أ - الأعيان المنصوص عليها في حديثي عبادة وأبي سعيدٍ رضي الله تعالى عنهما‏.‏

ب - الأعيان الّتي تحقّقت فيها علّة تحريم الرّبا، وهي مختلف فيها بحسب اختلاف الفقهاء في العلّة‏.‏

قال الشّافعيّة، وهي أصحّ الرّوايات عند الحنابلة‏:‏ إنّ ما عدا هذه الأعيان الرّبويّة بنوعيها لا يحرم فيها الرّبا، فيجوز بيع بعضها ببعضٍ متفاضلاً ونسيئةً، ويجوز فيها التّفرّق قبل التّقابض، لما روى عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال‏:‏ » أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أجهّز جيشاً فنفدت الإبل، فأمرني أن آخذ على قلاص الصّدقة، فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصّدقة «‏.‏

وعن عليٍّ رضي الله عنه أنّه باع جملاً إلى أجلٍ بعشرين بعيراً، وباع ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما بعيراً بأربعة أبعرةٍ، واشترى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما راحلةً بأربع رواحل ورواحله بالرّبذة، واشترى رافع بن خديجٍ رضي الله عنه بعيراً ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال‏:‏ آتيك بالآخر غداً‏.‏

ومنع الحنفيّة، والحنابلة في روايةٍ، بيع الشّيء بجنسه نسيئةً، كالحيوان بالحيوان لحديث سمرة - مرفوعاً - » نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً «‏.‏

ولأنّ الجنس أحد وصفي علّة ربا الفضل، فحرّم النّساء كالكيل والوزن‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ يتصوّر الرّبا في غير النّقدين والطّعام من العروض والحيوان وسائر التّملّكات، وذلك باجتماع ثلاثة أوصافٍ‏:‏

أ - التّفاضل‏.‏

ب - النّسيئة‏.‏

ج - اتّفاق الأغراض والمنافع‏.‏ كبيع ثوبٍ بثوبين إلى أجلٍ، وبيع فرسٍ للرّكوب بفرسين للرّكوب إلى أجلٍ‏.‏ فإن كان أحدهما للرّكوب دون الآخر جاز، لاختلاف المنافع‏.‏

بيع العين بالتّبر، والمصنوع بغيره

36 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عين الذّهب، وتبره، والصّحيح، والمكسور منه، سواء في جواز البيع مع التّماثل في المقدار وتحريمه مع التّفاضل، قال الخطّابيّ‏:‏ وقد حرّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يباع مثقال ذهبٍ عينٍ بمثقالٍ وشيءٍ من تبرٍ غير مضروبٍ، وكذلك حرّم التّفاوت بين المضروب من الفضّة وغير المضروب منها، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الذّهب بالذّهب تبرها وعينها «‏.‏

وروي عن كثيرٍ من أصحاب مالكٍ، وبعضهم يرويه عن مالكٍ، في التّاجر يحفّزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبةٍ أو دنانير مضروبةٍ، فيأتي دار الضّرب بفضّته أو ذهبه فيقول للضّرّاب‏:‏ خذ فضّتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إليّ دنانير مضروبةً في ذهبي أو دراهم مضروبةً في فضّتي هذه لأنّي محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه، أنّ ذلك جائز للضّرورة، وأنّه قد عمل به بعض النّاس، وحكاه ابن العربيّ في قبسه عن مالكٍ في غير التّاجر وإنّ مالكاً قد خفّف في ذلك، قال ابن العربيّ‏:‏ والحجّة فيه لمالكٍ بيّنة‏.‏

قال الأبهريّ‏:‏ إنّ ذلك من باب الرّفق لطلب التّجارة ولئلاّ يفوت السّوق وليس الرّبا إلاّ على من أراد أن يربي ممّن يقصد إلى ذلك ويبتغيه‏.‏

وحكي عن أحمد رواية‏:‏ لا يجوز بيع الصّحاح بالمكسّرة، ولأنّ للصّناعة قيمةً بدليل حالة الإتلاف، فيصير كأنّه ضمّ قيمة الصّناعة إلى الذّهب‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ إن قال لصانعٍ‏:‏ اصنع لي خاتماً وزن درهمٍ، وأعطيك مثل وزنه وأجرتك درهماً فليس ذلك بيع درهمٍ بدرهمين، وقال أصحابنا‏:‏ للصّائغ أخذ الدّرهمين أحدهما في مقابلة الخاتم والثّاني أجرة له‏.‏

الرّبا في دار الحرب

37 - ذهب جمهور الفقهاء وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا فرق في تحريم الرّبا بين دار الحرب ودار الإسلام، فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب، سواء جرى بين مسلمين أو مسلمٍ وحربيٍّ، وسواء دخلها المسلم بأمانٍ أم بغيره‏.‏

واستدلّوا بعموم القرآن والسّنّة في تحريم الرّبا من غير فرقٍ، ولأنّ ما كان رباً في دار الإسلام كان رباً محرّماً في دار الحرب كما لو تبايعه مسلمان مهاجران وكما لو تبايعه مسلم وحربيّ في دار الإسلام، ولأنّ ما حرّم في دار الإسلام حرّم هناك كالخمر وسائر المعاصي، ولأنّه عقد على ما لا يجوز في دار الإسلام فلم يصحّ كالنّكاح الفاسد هناك‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمّد‏:‏ لا يحرم الرّبا بين المسلم والحربيّ في دار الحرب ولا بين مسلمين أسلما في دار الحرب ولم يهاجرا منها، لأنّ مالهم مباح إلاّ أنّه بالأمان حرّم التّعرّض له بغير رضاهم تحرّزاً عن الغدر ونقض العهد، فإذا رضوا به حلّ أخذ مالهم بأيّ طريقٍ كان، بخلاف المستأمن لأنّ ماله صار محظوراً بالأمان‏.‏

مسألة مدّ عجوةٍ

38 - إذا جمع البيع ربويّاً من الجانبين واختلف جنس المبيع منهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين ربويّين اشتمل الآخر عليهما، كمدّ عجوةٍ ودرهمٍ بمدٍّ من عجوةٍ ودرهمٍ، وكذا لو اشتمل على أحدهما فقط كمدٍّ ودرهمٍ بمدّين أو درهمين، أو اشتملا جميعهما على جنسٍ ربويٍّ وانضمّ إليه غير ربويٍّ فيهما كدرهمٍ وثوبٍ بدرهمٍ وثوبٍ، أو في أحدهما كدرهمٍ وثوبٍ بدرهمٍ، أو اختلف نوع المبيع كصحاحٍ ومكسّرةٍ تنقص قيمتها عن قيمة الصّحاح بهما أي بصحاحٍ ومكسّرةٍ، أو بأحدهما أي بصحاحٍ فقط أو بمكسّرةٍ فقط‏.‏‏.‏‏.‏ إذا كان البيع على صورةٍ من هذه الصّور فهو باطل، وهذه هي المسألة الفقهيّة المعروفة بمسألة ‏"‏ مدّ عجوةٍ‏"‏‏.‏ والدّليل على بطلان البيع في هذه الصّور خبر مسلمٍ عن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه قال‏:‏ » أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقلادةٍ فيها خرز وذهب تباع، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالذّهب الّذي في القلادة فنزع وحده ثمّ قال‏:‏ الذّهب بالذّهب وزناً بوزنٍ « وفي روايةٍ‏:‏ » لا تباع حتّى تفصل «‏.‏

واستدلّ من جهة المعنى بأنّ قضيّة اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين توزيع ما في الآخر عليهما اعتباراً بالقيمة، والتّوزيع يؤدّي إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة، لأنّه إذا باع مداً ودرهماً بمدّين إن كانت قيمة المدّ الّذي مع الدّرهم أكثر أو أقلّ منه لزمته المفاضلة، أو مثله فالمماثلة مجهولة‏.‏

ولجمهور الفقهاء القائلين بتحقّق الرّبا في مسألة مدّ عجوةٍ تفصيل وتفريع على ما سبق من أحكام المسألة‏.‏

وذهب الحنفيّة وحمّاد بن أبي سليمان والشّعبيّ والنّخعيّ إلى جواز ذلك إذا كان الرّبويّ المفرد أكثر من الّذي معه غيره، أو كان مع كلّ واحدٍ منهما من غير جنسه، لأنّ العقد إذا أمكن حمله على الصّحّة لم يحمل على الفساد فيجعل الرّبويّ في مقابلة قدره من الرّبويّ الآخر ويجعل الزّائد في مقابلة ما زاد عن القدر المماثل‏.‏

رباط

التّعريف

1 - الرّباط والمرابطة ملازمة ثغر العدوّ، وأصله أن يربط كلّ من الفريقين خيله، ثمّ صار لزوم الثّغر رباطاً، وربّما سمّيت الخيل أنفسها رباطاً، ويقال‏:‏ الرّباط من الخيل‏:‏ الخمس فما فوقها‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُوا‏}‏ أي‏:‏ أقيموا على جهاد عدوّكم‏.‏

ويطلق الرّباط على المحافظة على الصّلوات الخمس، أو مداومة الجلوس في المسجد، كما جاء في الأثر‏:‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ » ألا أدلّكم على ما يمحو اللّه به الخطايا، ويرفع به الدّرجات ‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول اللّه‏.‏ قال‏:‏ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلكم الرّباط، ثلاثاً «‏.‏

والأربطة‏:‏ البيوت المسبّلة لإيواء الفقراء والغرباء وطلبة العلم وقد يطلق على المكان الّذي يرابط فيه المجاهدون‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجهاد‏:‏

2 - وهو في اللّغة بذل الوسع في الأمر‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ بذل الوسع في القتال في سبيل اللّه مباشرةً، أو معاونةً بمالٍ، أو رأيٍ، أو تكثير سوادٍ أو غير ذلك‏.‏

فالجهاد أعمّ من الرّباط‏.‏

ب - الحراسة‏:‏

3 - وهو مصدر حرس الشّيء‏:‏ إذا حفظه، وتحرّس من فلانٍ واحترس منه‏:‏ تحفّظ منه‏.‏ وبينها وبين الرّباط عموم وخصوص من وجهٍ‏.‏

الحكم التّكليفيّ

أوّلاً‏:‏ الرّباط بمعنى ملازمة الثّغور‏:‏

4 - الرّباط سنّة مؤكّدة، لأنّه حفظ ثغور الإسلام وصيانتها، ودفع عن المسلمين، وعن حريمهم، وقوّة لأهل الثّغر ولأهل الغزو، قال أحمد‏:‏ هو أصل الجهاد وفرعه‏.‏

وجاء في القرآن الكريم الأمر به، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ‏}‏‏.‏ وقال القرطبيّ‏:‏ قال جمهور الأمّة في تفسير الآية‏:‏ رابطوا أعداءكم بالخيل، وعزا إلى ابن عطيّة قوله‏:‏ القول الصّحيح في معنى رابطوا‏:‏ أنّ الرّباط هو الملازمة في سبيل اللّه، أصلها من ربط الخيل، ثمّ سمّي كلّ ملازمٍ لثغرٍ من ثغور المسلمين مرابطاً، فارساً كان أم راجلاً‏.‏

فضل الرّباط

5 - ورد في فضل الرّباط أحاديث كثيرة منها‏:‏

قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » رباط يومٍ في سبيل اللّه خير من الدّنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنّة خير من الدّنيا، وما عليها «‏.‏

وقال‏:‏ » رباط يومٍ وليلةٍ خير من صيام شهرٍ وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتّان «‏.‏

وورد عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كلّ ميّتٍ يختم على عمله إلاّ الّذي مات مرابطاً في سبيل اللّه، فإنّه يُنمّى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتّان القبر «‏.‏

أفضل الرّباط

6 - أفضل الرّباط‏:‏ أشدّ الثّغور خوفاً، لأنّ مقامه به أنفع، وأهله أحوج‏.‏

المحلّ الّذي يتحقّق فيه الرّباط

7 - اختلف الفقهاء في المحلّ الّذي يتحقّق فيه الرّباط، فإنّه لا يتحقّق في كلّ محلٍّ، فقال الحنفيّة‏:‏ المختار‏:‏ أنّه لا يكون الرّباط، إلاّ في موضعٍ لا يكون وراءه إسلام، لأنّ ما دونه لو كان رباطاً فكلّ المسلمين في بلادهم مرابطون، وقال بعضهم‏:‏ إذا أغار العدوّ على موضعٍ مرّةٍ سمّي ذلك الموضع رباطاً، أربعين سنةً‏.‏

والأصل في هذا حديث‏:‏ » من حرس من وراء المسلمين في سبيل اللّه متطوّعاً لا يأخذه سلطان لم ير النّار بعينيه إلاّ تحلّة القسم «‏.‏

وقال ابن حجرٍ في فتح الباري‏:‏ إذا نوى بالإقامة في أيّ مكان وإن كان وطنه دفعَ العدوّ، فإنّه يكون مرابطاً، قال‏:‏ ومن ثَمّ اختار كثير من السّلف سكنى الثّغور‏.‏

وعزا إلى ابن التّين أنّه قال‏:‏ الرّباط ملازمة المكان الّذي بين المسلمين والكفّار لحراسة المسلمين منهم، بشرط أن يكون غير الوطن، وعزا ذلك إلى ابن حبيبٍ عن مالكٍ‏.‏

وقال القرطبيّ‏:‏ المرابط عند الفقهاء هو الّذي يشخص إلى ثغرٍ من الثّغور ليرابط فيه مدّةً ما أمّا سكّان الثّغور دائماً بأهليهم الّذين يعمرون ويكتسبون هنالك فهم وإن كانوا حماةً فليسوا بمرابطين‏.‏

مدّة الرّباط

8 - قال الفقهاء‏:‏ تمام الرّباط‏:‏ أربعون يوماً فقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » تمام الرّباط أربعون يوماً «‏.‏

وروي عن أبي هريرة‏:‏ من رابط أربعين يوماً فقد استكمل الرّباط‏.‏

وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء ولم نقف على خلافٍ‏.‏

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أنّه قدم على عمر من الرّباط، فقال‏:‏ كم رابطت ‏؟‏ قال‏:‏ ثلاثين يوماً، فقال عمر‏:‏ عزمت عليك ألاّ رجعت حتّى تتمّها أربعين يوماً‏.‏

وإن رابط أكثر فله أجره‏.‏

أمّا أقلّ الرّباط فقد اختلفوا فيه‏:‏

فقال الحنابلة‏:‏ إنّ أقلّ الرّباط ساعة‏.‏

وقال ابن حجرٍ في فتح الباري‏:‏ أقلّ ما يجزئ يوم أو ليلة، وقال‏:‏ لأنّه قيّد اليوم في الحديث، وأطلق في الآية، فكأنّه أشار إلى أنّ مطلق الآية مقيّد بالحديث، لأنّه يشعر بأنّ أقلّ الرّباط يوم، لسياقه في مقام المبالغة وذكره مع سوطٍ يشير إلى ذلك‏.‏

الرّباطات المسبّلة

9 - الرّباطات المسبّلة في الطّرق وعلى أطراف بلاد المسلمين - وهي ما يبنى للمسافرين والغرباء والفقراء - من المنافع المشتركة‏.‏ فمن سبق إلى موضعٍ منها وهو من المستحقّين لمنافعها صار أحقّ به، وليس لغيره إزعاجه، سواء دخل بإذن الإمام أم لا‏.‏ ولا يبطل حقّه بالخروج لحاجةٍ كشراء طعامٍ، ونحوه، ولا يشترط تخليفه نائباً له في الموضع، ولا أن يترك فيه متاعه‏.‏

وإذا سكن بيتاً منها من تتوفّر فيه شروط المسبّلة، وغاب أيّاماً قليلةً فهو أحقّ به إذا عاد‏.‏ فإن طالت غيبته بطل حقّه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏المنافع المشتركة، ووقف‏)‏‏.‏

رباع

التّعريف

1 - الرّباع لغةً‏:‏ جمع ربعٍ وهو المنزل والدّار، سمّي بذلك لأنّ الإنسان يربع فيه أي يسكنه ويقيم فيه‏.‏ والجمع‏:‏ أربع ورباع وربوع‏.‏

وفي حديث أسامة رضي الله عنه قال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » وهل ترك لنا عقيل من رباعٍ أو دورٍ ‏؟‏ « وفي روايةٍ‏:‏ » من دارٍ «، وربع القوم‏:‏ محلّتهم‏.‏

وفي حديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ أرادت بيع رباعها أي منازلها، والرّبعة‏:‏ أخصّ من الرّبع، والرّبع‏:‏ المحلّة‏.‏ يقال‏:‏ ما أوسع ربع بني فلانٍ‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ أطلق الفقهاء اسم الرّبع على البناء وحائط النّخل يحوّط عليه بجدارٍ أو غيره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العقار‏:‏

2 - العقار عند الجمهور هو‏:‏ كلّ ملكٍ ثابتٍ له أصل، كالدّار والنّخل‏.‏

وعرّفه الحنفيّة بأنّه الضّيعة، وجعلوا البناء والنّخل من المنقولات، وعندهم قول كقول الجمهور‏.‏

وعقار البيت‏:‏ متاعه ونضده إذا كان حسناً كبيراً، ويقال‏:‏ في البيت عقار حسن أي‏:‏ متاع وأداة‏.‏

ب - الأرض‏:‏

3 - الأرض معروفة وجمعها أراضٍ وأرضون‏.‏

ج - الدّار‏:‏

4 - الدّار اسم جامع للعرصة والبناء والمحلّة، واللّفظ مؤنّث‏.‏

وقال ابن جنّيٍّ‏:‏ هي من دار يدور لكثرة حركات النّاس فيها والجمع أدور وأدؤر، والكثير ديار ودور‏.‏

ما يتعلّق بالرّباع من أحكامٍ

أ - رباع مكّة المكرّمة‏:‏

5 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع وإجارة رباع مكّة وعدم صحّة ذلك إذا وقع، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}‏، ولحديث مجاهدٍ مرفوعاً » مكّة حرام، حرّمها اللّه، لا تحلّ بيع رباعها، ولا إجارة بيوتها «، ولحديث » مكّة مناخ لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها «، وقال الحنابلة‏:‏ فإن سكن بأجرةٍ في رباع مكّة لم يأثم بدفعها‏.‏

وفي روايةٍ عن أبي حنيفة أنّه يجوز بيعها وإجارتها وبه أخذ أبو يوسف، وبهذا قال الشّافعيّة، واستدلّ الشّافعيّ رحمه الله تعالى لجواز بيع رباع مكّة وكراء دورها بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ‏}‏ فنسب الدّيار إلى المالكين، وبحديث أسامة بن زيدٍ أنّه قال‏:‏ » يا رسول اللّه أين تنزل في دارك بمكّة ‏؟‏ فقال‏:‏ وهل ترك لنا عقيل من رباعٍ أو دورٍ «، وكان عقيل ورث أبا طالبٍ، ولم يرث جعفر ولا عليّ رضي الله عنهما شيئاً لأنّهما كانا مسلمين، وبقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من دخل دار أبي سفيان فهو آمن « فنسب الدّيار إلى مالكيها، وباشتراء عمر رضي الله عنه دار الحجّامين وإسكانها‏.‏

والمالكيّة عندهم في المسألة أربع رواياتٍ‏:‏

الأولى‏:‏ المنع وهو المشهور‏.‏

والثّانية‏:‏ الجواز، قال ابن رشدٍ‏:‏ وهو أشهر الرّوايات والمعتمد الّذي به الفتوى، وعليه جرى العمل من أئمّة الفتوى والقضاة بمكّة‏.‏

والثّالثة‏:‏ الكراهة، فإن قصد بالكراء الآلات والأخشاب جاز، وإن قصد البقعة فلا خير فيه‏.‏ والرّابعة‏:‏ تخصيص الكراهة بالموسم لكثرة النّاس واحتياجهم إلى الوقف‏.‏

ب - الشّفعة في الرّباع‏:‏

6 - تجب الشّفعة في الرّباع قبل قسمتها بالإجماع تبعاً للأرض عند الحنفيّة والحنابلة، وأصلاً عند المالكيّة والشّافعيّة‏.‏

قال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ لأنّ ضرر أذى الدّخيل يتأبّد، وذلك لا يتحقّق إلاّ في العقار‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ تجب الشّفعة في العقار إن كان ربعاً أو حائطاً‏.‏ قالوا‏:‏ لأنّ الضّرر في العقار يتأبّد من جهة الشّريك فتثبت فيه الشّفعة لإزالة الضّرر‏.‏

ولمزيد الإيضاح انظر‏:‏ ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

ج - قسمة الرّباع‏:‏

7 - ذهب الجمهور إلى أنّ البناء والشّجر يتبعان الأرض في القسمة، والأرض لا تتبعهما فمن وقع في نصيبه من قسمة الأرض شيء منهما فهو له، بخلاف العكس‏.‏

وخالف المالكيّة في ذلك فنصّوا على أنّ كلاً من الأرض والبناء والشّجر يتبع الآخر في بيعه ما لم يمنع من ذلك شرط أو عرف‏.‏

ولمزيدٍ من الإيضاح انظر‏:‏ ‏(‏قسمة‏)‏‏.‏

د - وقف الرّباع‏:‏

8 - يصحّ وقف العقار من أرضٍ ودورٍ وحوانيت وبساتين ونحوها بالاتّفاق بدليل وقف عمر رضي الله عنه مائة سهمٍ في خيبر، ولأنّ جماعةً من الصّحابة رضوان الله عليهم وقفوا، ولأنّ العقار متأبّد على الدّوام والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

ربح

التّعريف

1 - الرِّبح والرَّبح والرّباح لغةً النّماء في التّجارة، ويسند الفعل إلى التّجارة مجازاً، فيقال‏:‏ ربحت تجارته، فهي رابحة، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ‏}‏‏.‏ قال الأزهريّ‏:‏ ربح في تجارته إذا أفضل فيها، وأربح فيها‏:‏ صادف سوقاً ذات ربحٍ، وأربحت الرّجل إرباحاً‏:‏ أعطيته ربحاً‏.‏

وبعته المتاع واشتريته منه مرابحةً‏:‏ إذا سمّيت لكلّ قدرٍ من الثّمن ربحاً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عند الفقهاء عن ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

النّماء‏:‏

2 - النّماء الزّيادة، وكلّ شيءٍ على وجه الأرض إمّا نامٍ أو صامت، فالنّامي مثل النّبات والأشجار، والصّامت كالحجر والجبل، والنّماء في الذّهب والورق مجاز، وفي الماشية حقيقة، لأنّها تزيد بتوالدها‏.‏

والنّماء قد يكون بطبيعة الشّيء أو بالعمل‏.‏ فالنّماء أعمّ من الرّبح‏.‏

الغلّة‏:‏

3 - تطلق الغلّة على الدّخل الّذي يحصل من ريع الأرض أو أجرتها، أو أجرة الدّار واللّبن والنّتاج ونحو ذلك، وفي الحديث‏:‏ » الغلّة بالضّمان « قال ابن الأثير‏:‏ هو كحديثه صلى الله عليه وسلم الآخر‏:‏ » الخراج بالضّمان «‏.‏

واستغلال المستغلاّت، أخذ غلّتها، وأغلّت الضّيعة أعطت الغلّة فهي مغلّة‏:‏ إذا أتت بشيءٍ وأصلها باقٍ‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - الرّبح إمّا أن يكون مشروعاً، أو غير مشروعٍ أو مختلفاً فيه‏.‏

فالرّبح المشروع هو ما نتج عن تصرّفٍ مباحٍ كالعقود الجائزة، مثل البيع والمضاربة والشّركة وغيرها فالرّبح النّاتج عن هذه التّصرّفات المباحة حلال بالإجماع مع مراعاة أنّ لكلّ عقدٍ من هذه العقود قواعد وشرائط شرعيّةً لا بدّ من مراعاتها‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلحات‏:‏ ‏(‏بيع، شركة، مرابحة‏)‏‏.‏

والرّبح غير المشروع‏:‏ هو ما نتح عن تصرّفٍ محرّمٍ كالرّبا والقمار والتّجارة بالمحرّمات لقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا‏}‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام «

‏(‏ر‏:‏ رباً، أشربة، بيع‏)‏‏.‏

وأمّا الرّبح المختلف فيه، فمنه ما نتج عن التّصرّف فيما كان تحت يد الإنسان من مال غيره، سواء كانت يد أمانةٍ كالمودع، أم يد ضمانٍ كالغاصب وخلافه‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوالٍ‏:‏

فالحنفيّة على أنّ الرّبح لا يطيب لمن تصرّف في المغصوب أو الوديعة، هذا عند أبي حنيفة ومحمّدٍ خلافاً لأبي يوسف‏.‏ ووجه ذلك عند أبي يوسف أنّه حصل التّصرّف في ضمانه وملكه‏.‏ أمّا الضّمان فظاهر، لأنّ المغصوب دخل في ضمان الغاصب، وأمّا الملك، فلأنّه يملكه من وقت الغصب إذا ضُمِّن، وعند أبي حنيفة ومحمّدٍ أنّ التّصرّف حصل في ملكه وضمانه، لكنّه بسببٍ خبيثٍ، لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه، وما هو كذلك فسبيله التّصدّق به، إذ الفرع يحصل على وصف الأصل، وأصله حديث الشّاة » حيث أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالتّصدّق بلحمها على الأسرى «‏.‏

وأمّا عند المالكيّة والشّافعيّة في الأظهر فالرّبح لمن تصرّف في الوديعة وليس للمالك، لأنّها لو تلفت لضمنها، وقال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ لو اتّجر الغاصب في المال المغصوب فالرّبح له في الأظهر، فإذا غصب دراهم واشترى شيئاً في ذمّته ونقد الدّراهم في ثمنه وربح ردّ مثل الدّراهم، لأنّها مثليّة إن تعذّر عليه ردّ ما أخذه، وإلاّ وجب عليه ردّه بعينه، أمّا إذا اشترى بعينه فالجديد بطلانه‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ الرّبح لصاحب الوديعة أو مالك المغصوب‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ إذا غصب أثماناً فاتّجر بها أو عروضاً فباعها واتّجر بثمنها فالرّبح للمالك والسّلع المشتراة له‏.‏

وقال الشّريف أبو جعفرٍ وأبو الخطّاب‏:‏ إن كان الشّراء بعين المال فالرّبح للمالك، قال الشّريف‏:‏ وعن أحمد أنّه يتصدّق به‏.‏

وإن اشتراه في ذمّته ثمّ نقد الأثمان فقال أبو الخطّاب‏:‏ يحتمل أن يكون الرّبح للغاصب، لأنّه اشترى لنفسه في ذمّته، فكان الشّراء له، والرّبح له، وعليه بدل المغصوب، وهذا قياس قول الخرقيّ، ويحتمل أن يكون الرّبح للمغصوب منه، لأنّه نماء ملكه، فكان له، كما لو اشترى له بعين المال، وهذا هو ظاهر المذهب، وإن حصل خسران فهو على الغاصب، لأنّه نقص حصل في المغصوب‏.‏

الرّبح في المضاربة

5 - أجمع الفقهاء على أنّ تحديد النّسبة في قسمة الرّبح من أركان صحّة عقد القراض ‏(‏المضاربة‏)‏ ويكون بين المالك والعامل على ما يتّفقان عليه من التّساوي أو التّفاضل، فيجوز أن يكون للعامل نصف الرّبح أو ثلثه، أو ربعه، أو خمسه، أو نحو ذلك، وكذلك العكس، أي يجوز للمالك أن يشرط لنفسه ثلثي الرّبح، أو ثلثه، أو ربعه، أو غير ذلك من النّسب، كثيرةً كانت أو قليلةً، بشرط أن يكون الرّبح مشتركاً بينهما، فلو قال المالك للعامل‏:‏ خذ هذا المال مضاربةً والرّبح كلّه لي، أو قال‏:‏ كلّه لك، فقد اختلف الفقهاء فيه، فذهب الشّافعيّة في الرّاجح عندهم والحنابلة إلى أنّه عقد فاسد رعايةً للّفظ، لأنّ المضاربة تقتضي كون الرّبح مشتركاً بينهما، فإذا انفرد أحدهما بالرّبح انتفى مقتضى العقد ففسد‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ يكون مضاربةً صحيحةً في الصّورتين، لأنّهما دخلا في التّراضي فإذا شرط لأحدهما الرّبح فكأنّه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحّة العقد، وهو وجه عند الشّافعيّة، وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا قال‏:‏ والرّبح كلّه لي كان إبضاعاً صحيحاً، لأنّه أثبت له حكم الإبضاع فانصرف إليه، وهذا قول آخر عند الشّافعيّة‏.‏

والإبضاع بعث المال مع من يتّجر فيه متبرّعاً، والبضاعة المال المبعوث، ومن الصّيغ الصّحيحة للإبضاع قول المالك للعامل‏:‏ خذ هذا المال فاتّجر به أو تصرّف فيه والرّبح كلّه لي، وكذا قوله‏:‏ أبضعتك هذا المال‏.‏ أمّا إذا قال‏:‏ والرّبح كلّه لك، فقرض، وقد جرى مثل هذا الخلاف فيما إذا قال‏:‏ أبضعتك على أنّ نصف الرّبح لك، فذهب بعضهم إلى أنّه قراض فاسد رعايةً للمعنى‏.‏ وذهب آخرون إلى أنّه إبضاع رعايةً للّفظ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إبضاع، مضاربة، قرض‏)‏‏.‏

الرّبح في الشّركة

6 - الرّبح في الشّركة يكون بين الشّريكين أو الشّركاء على ما يتّفقان أو يتّفقون عليه من نصفٍ، أو ثلثٍ، أو ربعٍ، أو نحو ذلك، أي يجوز أن يتساويا فيه مع تفاضلهما في المال وأن يتفاضلا فيه مع تساويهما في المال، لأنّ العمل ممّا يستحقّ به الرّبح، فجاز أن يتفاضلا في الرّبح مع وجود العمل منهما، لأنّ أحدهما قد يكون أبصر بالتّجارة من الآخر وأقوى على العمل، فجاز له أن يشترط زيادةً في الرّبح في مقابلة عمله، كما يشترط الرّبح في مقابلة عمل المضارب، وبهذا قال الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ إنّ من شرط صحّة الشّركة أن يكون الرّبح على قدر المالين فإن تساوى المالان فالرّبح يكون بينهما بالتّساوي، وإن تفاضل يكون الرّبح بينهما متفاضلاً، سواء تساويا في العمل أو تفاوتا فيه، لأنّ الرّبح هو ثمرة المالين، فيجب أن يكون على قدرهما، فلا يجوز أن يشترط أحدهما من الرّبح أكثر من نصيبه في المال‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شركة‏)‏‏.‏

زكاة ربح التّجارة

7 - يضمّ الرّبح الحاصل من عروض التّجارة في أثناء الحول إلى الأصل، وذلك لأجل حساب الزّكاة‏.‏ فلو اشترى مثلاً عرضاً في شهر المحرّم بمائتي درهمٍ فصارت قيمته قبل آخر الحول ولو بلحظةٍ ثلثمائة درهمٍ زكّى الجميع آخر الحول، سواء حصل الرّبح في نفس العرض كسمن الحيوان، أم بارتفاع الأسواق، قياساً على النّتاج مع الأمّهات، ولأنّ المحافظة على حول كلّ زيادةٍ مع اضطراب الأسواق ممّا يشقّ، ولأنّه نماء جارٍ في الحول تابع لأصله في الملك فكان مضموماً إليه في الحول، وهذا مذهب المالكيّة والشّافعيّة في قولٍ هو خلاف الأظهر والحنابلة وإسحاق وأبي يوسف، والأظهر عند الشّافعيّة أنّه يضمّ الرّبح إلى الأصل ما لم يكن هناك نضوض فإن كان فلا يضمّ بل يزكّي الأصل لحوله ويستأنف للرّبح حولاً‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنّه يبني حول كلّ مستفادٍ على حول جنسه نماءً كان أو غيره‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة عروض التّجارة‏)‏‏.‏

ربض

التّعريف

1 - الرّبض بفتحتين من معانيه في اللّغة‏:‏ مأوى الغنم، يقال‏:‏ ربضت الدّابّة ربضاً وربوضاً‏.‏

والرّبض والرّبوض للغنم كالبروك للإبل، وجمعه أرباض‏.‏ ومثل الرّبض بهذا المعنى المربض، وجمعه مرابض‏.‏ وفي الحديث‏:‏ » مثل المنافق مثل الشّاة بين الرّبيضين «‏.‏ أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا المثل قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء‏}‏‏.‏

ويطلق الرّبض في اصطلاح الفقهاء على أمرين‏:‏

أ - ما حول المدينة من بيوتٍ ومساكن، كما يقولون‏:‏ لا بدّ للقصر في السّفر من مجاوزة القرية المتّصلة بربض المصر، وسيأتي تفصيله‏.‏

ب - المربض، أي مأوى الغنم وبروك البهيمة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الفناء‏:‏

2 - الفناء بالكسر‏:‏ سعة أمام الدّار، وفناء الشّيء ما اتّصل به معدّاً لمصالحه‏.‏

وفناء البلد عند الفقهاء هو‏:‏ المكان المعدّ لمصالح البلد كركض الدّوابّ ودفن الموتى وإلقاء التّراب ونحو ذلك‏.‏

ب - الحريم‏:‏

3 - حريم الشّيء ما حوله من حقوقٍ ومرافق، سمّي بذلك، لأنّه يحرم على غير مالكه أن يستبدّ بالانتفاع به‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ الحريم هو المواضع القريبة الّتي يحتاج إليها لتمام الانتفاع كالطّريق ومسيل الماء ونحوهما‏.‏

ويختلف مقدار الحريم باختلاف المواضع وما يتعلّق به الحريم‏.‏ كحريم القرية وحريم الدّار، وحريم البئر وحريم النّهر ونحوها‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏حريم‏)‏‏.‏

ج - العطن والمعطن‏:‏

4 - العطن هو الموضع الّذي تنحّى إليه الإبل عن الماء إذا شربت الشّربة الأولى فتبرك فيه، ثمّ يملأ الحوض لها ثانيةً فتعود من عطنها إلى الحوض لتعلّ، أي تشرب الشّربة الثّانية، وهو العلل‏.‏ ويسمّى الموضع الّذي تبرك فيه الإبل معطناً أيضاً، وجمعه معاطن‏.‏ وقد ورد في الحديث‏:‏ » لا تصلّوا في أعطان الإبل «‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

5 - الرّبض بالمعنى الأوّل، أي ما حول المدينة من بيوتٍ ومساكن، ذكر الفقهاء حكمه في صلاة المسافر، حيث اشترطوا مفارقته لقصر الصّلاة الرّباعيّة للمسافر‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ يشترط لقصر الصّلاة الرّباعيّة في السّفر خروج المسافر من عمارة موضع إقامته من جانب خروجه، كما يشترط مفارقته توابع موضع الإقامة، كربض المدينة - وهو ما حول المدينة من بيوتٍ ومساكن - فإنّه في حكم المصر، وكذا القرى المتّصلة بالرّبض في الصّحيح‏.‏ وبخلاف البساتين ولو متّصلةً بالبناء، لأنّها ليست من البلدة، ولو سكنها أهل البلدة في جميع السّنة أو بعضها‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة المسافر‏)‏‏.‏

صلاة الجمعة والعيدين في الأرباض باعتبارها خارج البلد

6 - لم يتعرّض الفقهاء لصحّة صلاة الجمعة والعيدين في الأرباض نصّاً‏.‏

والرّبض التّابع للبلد لا يجوز القصر للمسافر قبل مجاوزته، فتجوز فيه صلاة الجمعة والعيدين إذا توفّرت سائر شروطها، أمّا الأرباض خارج البلد غير التّابعة له فلا تصحّ صلاة الجمعة والعيدين فيها عند جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‏"‏‏.‏

وتفصيله في‏:‏ ‏(‏صلاة الجمعة، وصلاة العيد‏)‏‏.‏

إحياء الأرباض

7 - الإحياء إنّما يكون لأرض الموات، والموات اسم لما لا ينتفع به من الأرض الخراب الدّارسة‏.‏ فما لم يكن ملكاً لأحدٍ، ولا حقّاً خاصّاً له، ولا حريماً لمعمورٍ، ولا منتفعاً به، يعتبر مواتاً يحلّ إحياؤه‏.‏

واشترط بعض الفقهاء في الموات أن لا يكون قريباً من القرية عرفاً ‏"‏ كما هو تحديد الحنابلة ومن معهم، أو بحيث يصل إليه صوت المنادي من القرية كما قال الحنفيّة ‏"‏ وذلك لأنّ القريب من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه، وما وراء ذلك يكون من الموات‏.‏

وعلى ذلك فالأرباض لا تعتبر مواتاً فلا يجوز إحياؤها‏.‏

وتفصيل ما يجوز إحياؤه وما لا يجوز في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحياء الموات ف 11، 12، 16‏)‏‏.‏

الرّبض بالمعنى الثّاني‏:‏ مأوى الغنم

8 - اتّفق الفقهاء على جواز الصّلاة في مرابض الغنم إذا أمنت النّجاسة لحديث‏:‏ » صلّوا في مرابض الغنم ولا تصلّوا في أعطان الإبل «‏.‏ ولحديث‏:‏ » أنّ رجلاً سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أصلّي في مرابض الغنم ‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أصلّي في مبارك الإبل ‏؟‏ قال‏:‏ لا «‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة، ومكروهات الصّلاة‏)‏‏.‏

ربيئة

التّعريف‏:‏

1 - الرّبيئة والرّبيء في اللّغة‏:‏ اسم الطّليعة - عين القوم - يرقب العدوّ من مكان عالٍ لئلاّ يدهم قومه، من ربأ القوم يربؤهم ربئاً‏:‏ اطّلع لهم على شرفٍ‏.‏

وفي الحديث‏:‏ » مثلي ومثلكم كمثل رجلٍ رأى العدوّ فانطلق يربأ أهله «‏.‏

قال في اللّسان‏:‏ وإنّما أنّثوه، لأنّ الطّليعة يقال به العين، والعين مؤنّثة إذ بعينه ينظر ويرعى أمور القوم ويحرسهم‏.‏

ولا يخرج في الاصطلاح عن المعنى اللّغويّ، قال الخطّابيّ‏:‏ هو الرّقيب الّذي يشرف على المرقب، وينظر العدوّ من أيّ وجهٍ يأتي، فينذر أصحابه‏.‏ ولا يكون إلاّ على شرفٍ أو جبلٍ أو شيءٍ مرتفعٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجاسوس‏:‏

2 - الجاسوس اسم لمن يتتبّع الأخبار ويفحص عن بواطن الأمور، من جسّ الأخبار وتجسّسها أي‏:‏ تتبّعها‏.‏ وهو صاحب الشّرّ، وقيل‏:‏ يكون في الخير والشّرّ‏.‏

ب - المرابط‏:‏

3 - المرابط‏:‏ المقيم في ثغرٍ من ثغور المسلمين لإعزاز الدّين ومراقبة العدوّ‏.‏

ج - الحارس‏:‏

4 - الحارس‏:‏ فاعل من الحراسة بمعنى الحفظ‏.‏ وجمعه حرّاس، وحرس السّلطان أعوانه‏.‏

فالرّبيئة والحارس متقاربان في المعنى، غير أنّ الرّبيئة يكون غالباً على جبلٍ أو شرفٍ مرتفعٍ ولا يلزم ذلك في الحارس‏.‏

د - الرّصديّ‏:‏

5 - الرّصديّ الّذي يقعد على الطّريق ينظر النّاس ليأخذ شيئاً من أموالهم ظلماً وعدواناً‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

6 - ذكر الفقهاء أحكام الرّبيئة في الغنائم والقتل وقطع الطّريق‏.‏

أوّلاً‏:‏ في الجهاد والغنائم

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ربيئة القوم في الجهاد منهم، ويسهم له من الغنيمة كالمقاتلين، لأنّ مصلحة الجهاد تقتضي أن يقاتل بعض القوم، ويكون بعضهم في الرّدء، وبعضهم يحفظون السّواد، وبعضهم في العلوفة، ولو قاتل كلّ الجيش لفسد التّدبير‏.‏

حكم الرّبيئة في القصاص

8 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يقتل الجمع بالواحد إذا اشترك كلّ واحدٍ منهم في الفعل المفضي إلى الموت، ويقتصّ منهم جميعاً إذا تحقّقت سائر شروط القصاص، كما هو مفصّل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

وإذا كان معهم ربيئة ولم يشترك معهم في الفعل المفضي للموت ولم يباشره فالجمهور ‏"‏الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ على أنّه لا يقتصّ منه، سواء أكان متّفقاً معهم في قصد القتل أم لا، لأنّهم يشترطون في القصاص المباشرة من الكلّ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يقتصّ منه إذا كان متمالئاً معهم، بأن قصد الجميع القتل وحضروا وإن لم يتولّه إلاّ واحد منهم بشرط أن يكون بحيث لو استعين به أعانه، كما هو الحكم عندهم في الرّدء‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

حكم الرّبيئة في قطع الطّريق

9 - الرّبيئة حكمه حكم المباشر في قطع الطّريق ‏(‏الحرابة‏)‏ فيقتل مع المحاربين إذا حصل القتل ولو باشره بعضهم، وهذا مذهب المالكيّة والحنفيّة والحنابلة، لأنّ المحاربة مبنيّة على حصول المنعة والمعاضدة، ومن عادة قطّاع الطّريق المباشرة من البعض والإعانة من البعض الآخر‏.‏ بخلاف سائر الحدود‏.‏ وروي عن مالكٍ أنّ عمر قتل من كان ربيئةً للّذين قتلوا‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يجب الحدّ على من أعان قطّاع الطّريق أو كثّر جمعهم بالحضور أو كان عيناً لهم، ولم يباشر بنفسه، بل يعزّر‏.‏

‏(‏ر‏:‏ قطع الطّريق‏)‏‏.‏

ربيبة

التّعريف‏:‏

1 - الرّبيبة لغةً‏:‏ هي ابنة امرأة الرّجل من غيره مشتقّة من الرّبّ وهو الإصلاح، لأنّه يقوم بأمورها ويصلح أحوالها، والجمع ربائب‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ الرّبيبة‏:‏ بنت الزّوجة، وبنت ابنها، وبنت بنتها وإن سفلا من نسبٍ أو رضاعٍ وارثةً أو غير وارثةٍ‏.‏ والابن ربيب‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - الرّبيبة من المحرّمات بشرط دخول الرّجل بأمّها، فإذا دخل الرّجل بزوجته حرّمت عليه ربيبته سواء كانت في حجره أم لم تكن في قول عامّة الفقهاء، لأنّ ذكر الحجر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم‏}‏ خرج مخرج العادة والغالب، لا مخرج الشّرط فلا يكون له مفهوم حينئذٍ إجماعاً، ولهذا اكتفى في موضع الإحلال بنفي الدّخول، ولم يشترط نفي كونها في الحجر مع نفي الدّخول حيث لم يقل فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ ولسن في حجوركم، فإنّ الإباحة تتعلّق بضدّ ما تتعلّق به الحرمة‏.‏

وقال عمر وعليّ رضي الله عنهما وبعض النّاس‏:‏ لا تحرّم الرّبيبة على الرّجل إلاّ إذا كانت في حجره لظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم‏}‏ فقد حرّم اللّه تعالى بنت الزّوجة بوصف كونها في حجر الزّوج فيتقيّد التّحريم بهذا الوصف‏.‏

هذا وللفقهاء تفاصيل في معنى الدّخول الّذي يقع به تحريم الرّبائب، وفي ثبوت حرمة المصاهرة بالخلوة واللّمس والنّظر، وفي تعلّق تلك الحرمة بالزّنا والنّكاح الفاسد تنظر في

‏(‏محرّمات‏)‏‏.‏

أثر موت الزّوجة في تحريم الرّبيبة

3 - يرى عامّة الفقهاء أنّ الرّجل إذا تزوّج المرأة ثمّ ماتت قبل الدّخول بها جاز له أن يتزوّج ابنتها فلا يقوم الموت مقام الدّخول في التّحريم، لأنّ اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

قال صاحب المبسوط‏:‏ فإنّ حرمة الرّبيبة في الآية تعلّقت شرعاً بشرط الدّخول فلو أقمنا الموت مقام الدّخول كان ذلك بالرّأي، كما لا يجوز نصب شرطٍ بالرّأي لا يجوز إقامة شرطٍ مقام شرطٍ بالرّأي‏.‏ ولأنّ الفرقة النّاتجة عن الموت فرقة قبل الدّخول فلم تحرّم الرّبيبة كفرقة الطّلاق‏.‏

ويقول الحنابلة في روايةٍ - وهي اختيار أبي بكرٍ وبه قال زيد بن ثابتٍ -‏:‏ إنّ الموت ينزل منزلة الدّخول في تحريم الرّبيبة، لأنّ الموت أقيم مقام الدّخول في تكميل العدّة والصّداق فيقوم مقامه في تحريم الرّبيبة‏.‏

وللتّفصيل ينظر‏:‏ ‏(‏محرّمات، وموت، ودخول‏)‏‏.‏

تحريم بنات الرّبيبة وبنات أبنائها

4 - تثبت حرمة بنات الرّبيبة وبنات أبنائها وإن سفلن بالإجماع، ولأنّ الاسم يشملهنّ‏.‏

رتق

التّعريف

1 - الرّتق لغةً‏:‏ ضدّ الفتق، وقد رتقت الفتق أرتقه فارتتق، أي‏:‏ التأم، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا‏}‏‏.‏

والرّتق - بالتّحريك - مصدر قولك‏:‏ رتقت المرأة ترتق فهي رتقاء بيّنة الرّتق أي‏:‏ لا يستطاع جماعها لارتاق ذلك الموضع منها، أو لا خرق لها إلاّ المبال خاصّةً‏.‏

ولا يخرج اصطلاح الفقهاء في الجملة عن هذا المعنى‏.‏

فقد عرّف النّوويّ الرّتق بأنّه انسداد محلّ الجماع باللّحم‏.‏

وقال الرّحيبانيّ‏:‏ الرّتق هو كون الفرج مسدوداً ملتصقاً لا يسلكه ذَكَرٌ بأصل الخلقة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القرن‏:‏

2 - القرن ما يمنع سلوك الذّكر في الفرج وهو إمّا غدّة غليظة أو لحمة مرتفعة أو عظم، وامرأة قرناء إذا كان ذلك بها‏.‏

وذكر بعضهم أنّ القرن عظم ناتئ محدّد الرّأس كقرن الغزالة يمنع الجماع‏.‏

ب - العفل‏:‏

3 - العفل - بفتح العين والفاء - لحم يبرز في قبل المرأة، ولا يسلم غالباً من رشحٍ يشبه أدرّة الرّجل‏.‏

وقيل‏:‏ إنّه رغوة في الفرج تحدث عند الجماع‏.‏

قال صاحب غاية المنتهى‏:‏ إن كان الانسداد بأصل الخلقة فهي رتقاء، وإلاّ فهي قرناء وعفلاء‏.‏

وسوّى الأزهريّ بين الرّتق والقرن والعفل، ثمّ قال‏:‏ العفل لا يكون في الأبكار، إنّما يصيب المرأة بعدما تلد‏.‏

الحكم الإجماليّ

أثر الرّتق في فسخ النّكاح

4 - يعتبر المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة الرّتق من العيوب المثبتة للخيار‏.‏

فالزّوج له الخيار في فسخ النّكاح إذا كانت زوجته رتقاء حال العقد ولم يعلم بها، لأنّ الرّتق يتعذّر معه الوطء، وعامّة مصالح النّكاح يقف حصولها على الوطء‏.‏ فإنّ العفّة عن الزّنا والسّكن والولد تحصل بالوطء، والرّتق يمنع منه، فلهذا يثبت الخيار به‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا كان بالزّوجة رتق فلا خيار للزّوج في فسخ النّكاح‏.‏

وبهذا قال عطاء والنّخعيّ وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعيّ والثّوريّ وأبو سليمان الخطّابيّ، وفي المبسوط، وهو مذهب عليٍّ وابن مسعودٍ رضي الله عنهما‏.‏

واستدلّوا على ما ذهبوا إليه بأنّ الرّتق لا يخلّ بموجب العقد وهو الحلّ، فلا يثبت به خيار الفسخ كالعمى والشّلل والزّمانة، فأمّا الاستيفاء فهو ثمرة وفوات الثّمرة لا يؤثّر في عقد النّكاح‏.‏

نظيره أنّ الاستيفاء يفوت بموت أحد الزّوجين، ولا يوجب ذلك انفساخ النّكاح حتّى لا يسقط شيء من المهر‏.‏

والرّتق فيما هو المقصود بالنّكاح دون الموت، لأنّ الاستيفاء هنا يتأتّى بواسطةٍ، لإمكان شقّ الرّتق‏.‏

إجبار الرّتقاء على مداواة رتقها

5 - ذهب المالكيّة إلى أنّ الرّتقاء إذا طلب زوجها الفسخ وطلبت التّداوي تؤجّل لذلك بالاجتهاد ولا تجبر عليه إن كان خلقةً، ويلزم الرّجل الصّبر حيث لم يترتّب على مداواتها حصول عيبٍ في فرجها‏.‏ كما أنّها تجبر على ذلك إذا طلبه الزّوج إذا كان لا ضرر عليها في المداواة‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّه ليس للزّوج إجبار الرّتقاء على شقّ الموضع فلو فعلت وأمكن الوطء فلا خيار لزوال سببه‏.‏

وقال صاحب الدّرّ من الحنفيّة‏:‏ للزّوج شقّ رتق زوجته وهل تجبر ‏؟‏ الظّاهر‏:‏ نعم، لأنّ التّسليم الواجب عليها لا يمكن بدونه‏.‏

وتعقّبه ابن عابدين بقوله‏:‏ لكن هذه العبارة ‏"‏ له شقّ رتقها ‏"‏ غير منقولةٍ وإنّما المنقول قولهم في تعليل عدم الخيار بعيب الرّتق‏:‏ ‏"‏ لإمكان شقّه ‏"‏ وهذا لا يدلّ على أنّ له ذلك، ولذا قال في البحر بعد نقله التّعليل المذكور‏:‏ ولكن ما رأيت هل يشقّ جبراً أم لا ‏؟‏

ولم يستدلّ على نصٍّ للحنابلة في المسألة إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ لا يثبت خيار في عيبٍ زال بعد عقدٍ لزوال سببه‏.‏

نفقة الرّتقاء

6 - تجب النّفقة للرّتقاء سواء حدث الرّتق بعد تسليم نفسها للزّوج أم قارنه، لأنّ الاستمتاع بها ممكن من بعض الوجوه ولا تفريط من جهتها‏.‏ بهذا قال جمهور الفقهاء‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا تجب النّفقة لمطيقةٍ بها مانع، كرتقٍ إلاّ أن يتلذّذ بها عالماً‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ نفقة‏)‏‏.‏

قسم الزّوج لزوجته الرّتقاء

7 - يقسم الزّوج وجوباً لزوجته الرّتقاء، لأنّ القصد بالقسم الأنس لا الوطء‏.‏

هذا وللتّفصيل فيما يثبت به الرّتق وشرط ثبوت الخيار به وسائر الأحكام المتعلّقة به ينظر‏:‏ ‏(‏عيب، نكاح‏)‏‏.‏

رثاء

التّعريف

1 - من معاني الرّثاء في اللّغة‏:‏ التّرحّم على الميّت والتّرقّق له، وبكاؤه ومدحه، وتعداد محاسنه، ونظم الشّعر فيه‏.‏

والمرأة الرّثّاءة‏:‏ الكثيرة الرّثاء لبعلها أو لغيره ممّن يكرم عندها، ورثيت له‏:‏ رحمته، ورثي له‏:‏ رقّ له وأشفق عليه‏.‏

وأمّا عند الفقهاء فهو كما ذكر الحافظ في الفتح‏:‏ مدح الميّت وذكر محاسنه، وذكر العينيّ في عمدة القاريّ أنّ معناه تعداد محاسن الميّت‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّأبين‏:‏

2 - التّأبين في اللّغة والاصطلاح‏:‏ البكاء على الميّت والثّناء عليه‏.‏

قال في المصباح‏:‏ أبّنت الرّجل تأبيناً إذا بكيت وأثنيت عليه بعد الموت‏.‏

ب - النّدب‏:‏

3 - النّدب مصدر ندب ومعناه في اللّغة ذكر محاسن الميّت‏.‏

قال في المصباح‏:‏ ندبت المرأة الميّت ندباً من باب قتل، وهي نادبة، والجمع نوادب، لأنّه كالدّعاء، فإنّها تقبل على تعديد محاسنه كأنّه يسمعها‏.‏

ومعناه عند الفقهاء مثله في اللّغة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - جاء في الدّرّ المختار من كتب الحنفيّة أنّه لا بأس بترثية الميّت بشعرٍ أو غيره، لكن يكره الإفراط في مدحه لا سيّما عند جنازته‏.‏

وذكر النّوويّ في المجموع عن صاحب التّتمّة أنّه يكره ترثية الميّت بذكر آبائه، وخصائله، وأفعاله، والأولى الاستغفار له‏.‏

وذكر الحنابلة أنّ ما هيّج المصيبة من وعظٍ أو إنشاد شعرٍ فمن النّياحة أي‏:‏ المنهيّ عنها‏.‏ قاله الشّيخ تقيّ الدّين‏.‏

رجب

انظر‏:‏ الأشهر الحرم‏.‏

رجحان - ترجيح

التّعريف

1 - الرّجحان لغةً‏:‏ اسم مصدرٍ رجح الشّيء يرجح رجوحاً إذا زاد وزنه، ويتعدّى بالألف وبالتّثقيل فيقال‏:‏ أرجحت الشّيء ورجّحته ترجيحاً أي فضّلته وقوّيته‏.‏ وأرجحت الرّجل أي أعطيته راجحاً‏.‏

أمّا في الاصطلاح فقد عرّف الحنفيّة التّرجيح بأنّه‏:‏ إظهار الزّيادة لأحد المتماثلين على الآخر بما لا يستقلّ فخرج بقولهم ‏"‏ المتماثلين ‏"‏ النّصّ مع القياس، فلا يقال النّصّ راجح على القياس لانتفاء المماثلة، ولعدم قيام التّعارض بينهما، وهذا من قبيل ترتيب الأدلّة واستحقاق تقديم بعضها على بعضٍ من حيث الرّتبة وهو غير التّرجيح‏.‏

كما خرج بقولهم ‏"‏ بما لا يستقلّ ‏"‏ الدّليل المستقلّ، فإذا وافق دليل مستقلّ دليلاً منفرداً آخر فلا يرجّح عليه، إذ لا ترجيح بكثرة الأدلّة عند الحنفيّة لاستقلال كلٍّ من تلك الأدلّة بإثبات المطلوب، فلا ينضمّ إلى الآخر ولا يتّحد به ليفيد تقويته، لأنّ الشّيء إنّما يتقوّى بصفةٍ توجد في ذاته لا بانضمام مثله إليه‏.‏

ولذا عرّف صاحب المنار التّرجيح بأنّه‏:‏ فضل أحد المثلين على الآخر وصفاً، أي وصفاً تابعاً لا أصلاً، ولذا فلا يترجّح القياس على قياسٍ آخر يعارضه بقياسٍ آخر ينضمّ إليه يوافقه في الحكم، أمّا إذا وافقه في العلّة فإنّه لا يعتبر من كثرة الأدلّة بل من كثرة الأصول، وبالتّالي يفيد التّرجيح بالكثرة، لأنّ التّعدّد في العلّة يفيد التّعدّد في القياس‏.‏ وكذا لا يترجّح الحديث على حديثٍ آخر يعارضه بحديثٍ آخر، ولا بنصّ الكتاب كذلك‏.‏

وعرّف الشّافعيّة - ومن وافقهم - التّرجيح بأنّه‏:‏ اقتران أحد الصّالحين للدّلالة على المطلوب مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال الآخر‏.‏

واحترز بقوله ‏"‏ أحد الصّالحين ‏"‏ عن غير الصّالحين للدّلالة، ولا أحدهما‏.‏

واحترز بقوله ‏"‏ مع تعارضهما ‏"‏ عن الصّالحين اللّذين لا تعارض بينهما‏.‏

وبقوله ‏"‏ بما يوجب العمل ‏"‏ عمّا اختصّ به أحد الدّليلين عن الآخر من الصّفات الذّاتيّة أو العرضيّة ولا مدخل لها في التّقوية والتّرجيح‏.‏

ويمكن أن يستخلص من التّعريفين السّابقين أنّ الرّاجح هو‏:‏ ما ظهر فضل فيه على معادله‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجمع‏:‏

2 - الجمع إعمال الدّليلين المتعارضين بحمل كلٍّ منهما على وجهٍ‏.‏

ب - النّسخ‏:‏

3 - النّسخ رفع الشّارع الحكم الشّرعيّ بدليلٍ شرعيٍّ متأخّرٍ‏.‏

ج - التّعارض‏:‏

4 - التّعارض‏:‏ التّمانع بين الدّليلين مطلقاً بحيث يقتضي أحدهما غير ما يقتضي الآخر وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تعارض‏)‏ ج 12 ص 184

أحكام التّرجيح

يتعلّق بالتّرجيح أحكام فقهيّة، وقد تقدّم بيانها في مصطلح‏:‏ ‏(‏تعارض‏)‏‏.‏ وأحكام أصوليّة مجملها فيما يلي‏:‏

حكم العمل بالدّليل الرّاجح

5 - يجب العمل بالدّليل الرّاجح وإهمال المرجوح إذا لم يمكن الجمع بينهما بوجهٍ صحيحٍ‏.‏ دلّ على ذلك إجماع الصّحابة والسّلف على تقديم بعض الأخبار على بعضٍ لقوّة الظّنّ، بسبب علم الرّواة وكثرتهم وعدالتهم وعلوّ منصبهم، ومن أمثلة ذلك تقديمهم خبر عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » إذا التقى الختانان - أو مسّ الختان الختان - فقد وجب الغسل « على خبر أبي سعيدٍ الخدريّ - رضي الله عنه - في قوله‏:‏ »إنّما الماء من الماء «‏.‏

وكذلك تقديمهم خبر عائشة رضي الله عنها » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم « على ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من أصبح جنباً فلا صوم له « فقدّموا خبرها على خبره لكونها أعرف بحال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويدلّ على ذلك أيضاً تقرير النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ حين بعثه إلى اليمن قاضياً على ترتيب الأدلّة وتقديم بعضها على بعضٍ مع أنّ ذلك ليس من باب التّرجيح المصطلح عليه لكنّه نظيره‏.‏

وإذا كان أحد الدّليلين راجحاً فالعقلاء يوجبون بعقولهم العمل بالرّاجح، والأصل تنزيل التّصرّفات الشّرعيّة منزلة التّصرّفات العرفيّة، ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما رآه المسلمون حسناً فهو عند اللّه حسن «‏.‏

وكذلك إذا غلب على الظّنّ كون الفرع أشبه بأحد الأصلين وجب اتّباعه بالإجماع، فقد فهم من أصول الشّريعة اعتبار ما هو عادة للنّاس في تجارتهم، وسلوكهم الطّرق، فإنّهم عند تعارض الأسباب المخوفة يرجّحون ويميلون إلى الأسلم‏.‏

الطّرق الموصّلة إلى معرفة الرّاجح من الأدلّة

6 - وضع الأصوليّون جملةً من قواعد التّرجيح لمعرفة الرّاجح من الأدلّة المتعارضة، وقسّمت هذه القواعد إلى قسمين‏:‏

القسم الأوّل‏:‏ قواعد التّرجيح بين خبرين‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ قواعد التّرجيح بين قياسين‏.‏

والمرجّحات لا تنحصر لكثرتها، وضابطها غلبة الظّنّ وقوّته‏.‏

7- القسم الأوّل‏:‏ قواعد التّرجيح بين منقولين وتتنوّع إلى ثلاثة أنواعٍ‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ ما يتعلّق بالسّند‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ ما يتعلّق بالمتن ودلالته على الحكم‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ ما يتعلّق بأمرٍ خارجٍ‏.‏

8- النّوع الأوّل‏:‏ هو ما يتعلّق بالسّند وهو عدّة أمورٍ، منها‏:‏

1 - أن تكون رواة أحد الحديثين أكثر من رواة الآخر فيغلب على الظّنّ رجحانه لقلّة احتمال الغلط‏.‏

2 - أن يكون أحد الرّاويين من كبار الصّحابة والآخر من صغارهم‏.‏

3 - أن يتقدّم إسلام أحد الرّاويين على الآخر‏.‏

4 - يرجّح المتواتر على الآحاد‏.‏

5- يرجّح خبر الواحد فيما لا تعمّ به البلوى على خبر الواحد فيما تعمّ به البلوى، حيث إنّ تفرّد الواحد بنقل ما تعمّ به البلوى مع توفّر الدّواعي على نقله بأكثر من طريقٍ قريب من الكذب‏.‏

9- النّوع الثّاني‏:‏ قواعد التّرجيح المتعلّقة بالمتن ودلالته على الحكم‏.‏

أ - أن يكون أحد الحديثين أمراً دالاً على الوجوب والثّاني نهياً دالاً على الحظر، فالدّالّ على الحظر مرجّح على الدّالّ على الوجوب‏.‏

ومن أمثلته ترجيح حديث النّهي عن الصّلاة في الأوقات المكروهة على قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من نسي صلاةً أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها « ومن قال بأنّ الصّلاة ذات السّبب تصلّى في أوقات الكراهة - وهم الشّافعيّة - استفادوا هذا من حديثٍ آخر أفاد خصوصيّة الصّلاة ذات السّبب فخصّوا به عموم حديث النّهي‏.‏

ب - أن يكون أحدهما دالاً على الحظر والآخر على الإباحة‏:‏

وللأصوليّين اتّجاهات في هذه القاعدة فمنهم من رجّح الحظر على الإباحة، ومنهم من رجّح الإباحة على الحظر‏.‏ ومنهم من سوّى بين الحظر والإباحة فيتساقطان لتساوي المثبت مع النّافي‏.‏

ج - يرجّح الدّالّ على الوجوب والكراهة والنّدب على الدّالّ على الإباحة‏.‏

د - يرجّح الحقيقيّ على المجازيّ لعدم افتقار الحقيقيّ للقرينة‏.‏

ه - يرجّح ما لا يحتاج إلى إضمارٍ ولا حذفٍ على ما احتاج إليهما‏.‏

و- أن تكون دلالة أحدهما مؤكّدةً دون الأخرى، فيرجّح المؤكّد على غيره لأنّه أقوى دلالةً كحديث‏:‏ » فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل «‏.‏

ز- يرجّح ما دلّ بمفهوم الموافقة على ما دلّ بمفهوم المخالفة للاختلاف فيه دون مفهوم الموافقة‏.‏ وفي قولٍ يرجّح مفهوم المخالفة على الموافقة، لأنّ المخالفة تفيد التّأسيس دون الموافقة‏.‏

10 - النّوع الثّالث‏:‏ ما يتعلّق بالتّرجيح بأمرٍ خارجٍ وقد أثبته غير الحنفيّة‏:‏

وذكر الآمديّ من ذلك‏:‏

أ - أن يكون أحد الدّليلين موافقاً لدليلٍ آخر من كتابٍ أو سنّةٍ أو إجماعٍ أو قياسٍ أو عقلٍ أو حسٍّ، فيرجّح على معارضه، لأنّ العمل به يلزم منه مخالفة دليلين‏.‏

ب - يترجّح ما عمل بمقتضاه علماء المدينة أو الأئمّة الأربعة‏.‏

ج - أن يكون كلا الحديثين مؤوّلاً إلاّ أنّ دليل التّأويل في أحدهما أرجح من دليل الآخر فيقدّم عليه‏.‏

د - يرجّح ما ذكر فيه سبب وروده على ما لم يذكر فيه السّبب، لأنّ ذكر السّبب مشعر بزيادة الاهتمام بما رواه‏.‏

11 - القسم الثّاني‏:‏ التّرجيح بين قياسين‏:‏

أ - يرجّح القياس برجحان دليل حكم الأصل في أحد القياسين على دليل حكم الأصل في القياس الآخر‏.‏

ب - يرجّح القياس الّذي يكون فيه الفرع من جنس الأصل على القياس الّذي ليس كذلك لأنّ الجنس بالجنس أشبه‏.‏

ج - ترجّح علّة القياس الأقوى مسلكاً على الأضعف‏.‏

فيرجّح القياس المنصوص على علّته صريحاً على ما ثبتت علّته بالإيماء والإشارة لقوّة التّصريح‏.‏

ويرجّح القياس الّذي ثبتت علّته بدليلٍ قطعيٍّ على ما ثبتت بدليلٍ ظنّيٍّ، وما ثبتت بالإيماء على ما ثبتت بالمناسبة وبالدّوران‏.‏

ويراجع مصطلح‏:‏ ‏(‏قياس‏)‏ للتّفصيل في مسالك العلّة وترتيبها قوّةً وضعفاً‏.‏

وترجّح العلّة الموافقة لقواعد الشّريعة على غيرها لقوّة الأولى ولكثرة ما يشهد لها‏.‏

وحيث رجحت العلّة في كلّ ما تقدّم فيتبعه ترجيح القياس الّذي بنيت عليه‏.‏

والمرجّحات في الأقسام السّابقة كثيرة ومتنوّعة، وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏ وينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تعارض‏)‏ من الموسوعة ‏(‏12 /184‏)‏ حيث تقدّم هناك أحكام التّرجيح في تعارض البيّنات، وتعارض الأدلّة في حقوق اللّه، وتعارض تعديل الشّهود وتجريحهم، والتّرجيح في حال احتمال بقاء الإسلام وحدوث الرّدّة، وتعارض الأحكام التّكليفيّة، وتعارض الأصل والظّاهر، وما ينبني على كلٍّ من مسائل‏.‏